رابطة العالم الإسلامي تساند الجاليات المسلمة في بريطانيا | صحيفة السفير

رابطة العالم الإسلامي تساند الجاليات المسلمة في بريطانيا

أربعاء, 07/05/2025 - 14:00

انطلاقا من توجهات وثيقة مكة المكرمة ، واستنادا إلى الرسالة الحضارية لرابطة العالم الإسلامي الهادفة إلى التعريف بحقيقة الإسلام ، ونشر ثقافة السلم لتحقيق الأمن المجتمعي ، والدفاع عن الحقوق الدينية والثقافية والاجتماعية للجاليات المسلمة عبر العالم ، تباحث الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى الأمين العام للرابطة مع عدد القيادات الإسلامية البريطانية، جملة من القضايا والمواضيع التي تهم الجاليات المسلمة في بريطانيا ، وذلك خلال اجتماع عقد يوم 30 أبريل 2025 في المدينة المنورة.
يكتسي هذا اللقاء أهمية بالغة بالنظر لاعتبارات وعوامل عديدة نذكر من بينها ثلاثة هي :
- الارتفاع المتزايد لأعداد المسلمين في بريطانيا ، حيث انتقل عددهم ، حسب إحصاء أجري عام 2021 من 4.9% عام 2011، إلى 6.5% . وأكد الإحصاء المذكور أن نسبة المسلمين دون سن الخمسين بلغت 84.5% ، وهو ما يؤشر إلى زيادات كبرى محتملة في أعداد المسلمين مستقبلا. ويتطلب هذا الأمر اعتماد مقاربة حضارية وحقوقية وقانونية في الدفاع عن هويتهم الثقافية والدينية وتعزيز اندماجهم ومشاركتهم الفعالة في تنمية مجتمعاتهم وترسيخ مواطنتهم الايجابية .
- الشعور المتزايد من خطر التحريض على الجاليات المسلمة في بريطانيا والانتشار المضطرد لخطاب الكراهية ضدهم من اليمين المتطرف خصوصا في شبكات التواصل الاجتماعي. لقد لوحظ تراخي الحكومة في التصدي للإسلاموفوبيا على غرار سابقاتها، الأمر الذي دفع بوزير شؤون العقيدة واجد خان الإعلان عن تخصيص ما يقارب مليون جنيه إسترليني لإنشاء هيئة مستقلة لرصد جرائم الكراهية ضد المسلمين والتبليغ عنها ودعم الضحايا. وأكدت تقارير صحافية أن الشرطة البريطانية حذرت من ارتفاع غير مسبوق في شكوى التحريض والعنصرية ضد الأقليات المسلمة، حيث كشفت عن ارتفاع بنسبة 73% في نسب الحوادث التي على صلة بالإسلاموفوبيا خلال السنة الماضية، مشيرة إلى أن 40% من حوادث العنف المرتبطة بأسباب دينية عام 2024 كان ضحيتها مسلمون. ولذلك قامت حكومة حزب العمال بتشكيل لجنة استشارية من الخبراء لوضع تعريف للإسلاموفوبيا يساعد الدوائر الحكومية والشرطة على التعامل مع شكوى التحريض والكراهية ضد المسلمين.
- الجدل الواسع الذي أثاره قرار الحكومة البريطانية تعيين شخصية إسلامية مرموقة على أعلى سلطة تعليمية في البلاد مكلفة بمراقبة المناهج ومعايير الجودة، وزادت من حدة هذا الجدل مزاعم بفرض تدريس الإسلام في المراحل الابتدائية والثانوية. ومن مظاهر الزوبعة الناجمة عن هذا القرار قيام عدد من السياسيين والإعلاميين في بريطانيا بشن حملات على مواقع التواصل الاجتماعي متهمين الحكومة بالعمل على "أسلمة التعليم" في البلاد، خصوصا في ظل تزايد الإقبال على الإسلام والاهتمام بدراسته. لكن تقريرا نشرته وكالة رويترز يوم 28 مارس 2025 أورد أن مسؤولين في إدارات التعليم في إنجلترا وويلز وأسكتلندا، أكدوا بأن تدريس الإسلام ليس إلزاميًا على مستوى البلاد . غير أن التقرير المذكور أكد من جهة أخرى أن إنجلترا تفرض توفير التعليم الديني في المدارس، فالمادة 375 من قانون التعليم لعام 1996 تنص على ضرورة أن "يعكس المنهج الدراسي التقاليد الدينية لبريطانيا العظمى، وهي في الغالب مسيحية مع مراعاة تعاليم وممارسات الديانات الرئيسية الأخرى الممثلة في بريطانيا العظمى". وأشار التقرير إلى أن المدارس المستقلة عن سيطرة السلطة المحلية، مثل الأكاديميات، حرة في تحديد مناهجها الدراسية الخاصة.
بالإضافة إلى هذه الاعتبارات الثلاثة ، فإن جلسة العمل مع القيادات التي تمثل الجاليات المسلمة في بريطانيا يندرج في سيرورة الجهود والمساعي الحثيثة التي تبذلها رابطة العالم الإسلامي في العناية بشؤون الجاليات والأقليات المسلمة عبر العالم ، والتواصل معها لعلاج المشكلات التي تواجهها في حدود دساتير وأنظمة الدول التي يوجدون فيها . وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى قيام الرابطة بإنشاء مجلس للقيادات الإسلامية في أمريكا الشمالية والجنوبية والذي يعد الأولَ من نوعه في تاريخ الأمريكتين ، ويشمل عموم المذاهب والطوائف الإسلامية التي أقرَّت ‫وثيقة مكة المكرمة ‬.
إن اهتمام رابطة العالم الإسلامي بأوضاع الجاليات المسلمة خارج العالم الإسلامي يتجلى بالأساس في ايلاء العناية الفائقة للدفاع عن الحقوق الثقافية والدينية والمدنية للمواطنين من أصول مسلمة في المجتمعات غير الإسلامية ، وبحث السبل الناجعة للحد من انتهاك حقوقهم. ومن هذا المنطلق تعمل الرابطة على تأصيل التعددية الثقافية والتنوع الثقافي والمذهبي وتعزيز برامج التبادل الثقافي بين الأقليات المسلمة في العالم ، وتعزيز قيم الاعتدال والحوار والتسامح والتآخي، ونبذ التعصب والكراهية المذهبية، وإبراز الخصوصيات الثقافية والفكرية للأقليات المسلمة في العالم.

واستثمارا لتجربتها التنظيمية والعلمية المتراكمة ، واستنادا إلى رؤيتها الواضحة حول حاجيات الجاليات والأقليات المسلمة عبر العالم ، يمكن لرابطة العالم الإسلامي أن تقوم بأدوار مهمة في مجال تفعيل دور قيادات العمل التربوي والثقافي من الجاليات المسلمة في تعزيز الحوار والاحترام المتبادل، والتصدي لمظاهر التطرف والكراهية. وفي هذا الصدد يتم تنفيذ مجموعة من الأنشطة والبرامج، من أجل بناء قدرات الأئمة والمرشدين الدينيين العاملين في المؤسسات التربوية والثقافية الإسلامية في الدول غير الإسلامية ، من أجل اعتماد الخطاب الإسلامي المعتدل والمنفتح، وتكوين قيادات العمل الثقافي الإسلامي فيها في مجال محاربة التطرف الفكري والتطرف العنيف والتخويف من الإسلام.

___________

د. المحجوب بنسعيد

باحث في الاتصال والحوار الحضاري