
استعرضت الندوة التي نظمها مركز "السفير" للاستشارات والإعلام والعلاقات العامة، مساء أمس في فندق الخاطر بنواكشوط، البرامج الحكومية الرامية إلى عصرنة المدن ونفاذ المواطنين إلى الخدمات والمشاكل والتحديات التي تعيقُ عملية الانتقال نحو استراتيجيات البنى التحتية ورفاه المواطن.
ومن المعلوم أن المدن الموريتانية تشهد تحولات متسارعة تعكس التوتر المتزايد بين الديناميكية الديمغرافية والاختناقات العمرانية، وبين الحاجة إلى التحديث ومتطلبات التوازن البيئي والاجتماعي. وفي ظل هذه التحديات، أطلقت الحكومة برنامجا وطنيا طموحا لعصرنة المدن.
وانطلاقا من هذه الرؤية، أتت فكرة تنظيم الندوة الوطنية لعصرنة المدن والنفاذ للخدمات، كإطار تفكير جماعي استشرافي حضري، يجمع بين الدولة والفاعلين المحليين، وبين التطلعات الشعبية والتصورات الاستراتيجية.
فعاليات الندوة:
انطلقت فعاليات الندوة وسط حضور نوعي لعشرات الباحثين وشخصيات سياسية وإعلاميين، وبعد الترحيب بالسادة الحضور، أشار رئيس مركز "السفير" الأستاذ محمد عبد الرحمن ولد الزوين، إلى أهمية نقاش القضايا الوطنية وخصوصا ما يتعلق منها بالتنمية وانعكاساتها على حياة المواطنين، في ظرف تعيش فيه البلاد طفرة في التنمية والعمران.
وقال ولد الزوين إن هذه الندوة ستكون فاتحة نقاش لتوجيه الرأي العام الوطني إلى أهمية تنمية المدن وإشاعة السلوك المدني بين الأفراد والجماعات.
وشدد على أن هذا الموضوع يمثل خيارا رمزيا واستراتيجيا للتحولات الحضرية الكبرى في مجال التنمية المستدامة، تتقاطع فيه تحديات السكان، والحوكمة، والمناخ، والاقتصاد. ومن خلال هذه الندوة ـ يضيف ـ "نسعى إلى بلورة تصور وطني جامع يجعل من عصرنة المدن رافعة لتحقيق العدالة الحضرية، وتحسين نوعية الحياة، وجذب الاستثمار، وإعادة الاعتبار لجمالية المكان ووظيفته".
عروض..
عروض الندوة الرئيسية كانت أربعة، حملت الأولى عنوان: "عصرنة المدن والنفاذ للخدمات ، خلفياته ، أهدافه، نطاقه،"، مع الدكتور: الناني ولد المامي، وبتعقيب من الأستاذ محمد احيد ولد إسلمو، وكذلك الصحفي عبيد إيميجن..
العرض الثاني: كان بعنوان: "شرح الرؤية التنموية الكامنة وراء مشروع العصرنة وتوضيح أبعاده الوطنية والاقتصادية للمواطنين والمستثمرين، قدمته الدكتورة فاطمة بوتبيب، وعقب عليها الدكتور أحمد سالم محمد فاضل؛
العرض الثالث بعنوان:" دور الإعلام في إبراز المكونات المحورية للمشروع وآفاقه التنموية، مع الصحفي، الهيبة الشيخ سيداتي، وعقب عليه الأستاذ والكاتب البشير عبد الرزاق؛
فيما كان العرض الرابع تحت عنوان: "تحسين الشفافية والفهم المجتمعي للمشروع، قدمه الأستاذ محمد عبد الله بليل، وعقب عليه كل من: الأساتذة: موسى ولد حامد، ابوبكر ولد المامي، وعمدة بلدية لگصر..
وفتحت الندوة بعد ذلك أمام الحضور وشهدت نقاشات وآراء مستفيضة أثارت الموضوع من كافة جوانبه وكانت مناسبة لطرح مجموعة من المقترحات والحلول.
مضامين:
موضوع الندوة كان حيويًا، حسب المحاضرين و يهم الجميع و محاولة إسقاطه على واقع موريتانيا أساسيا لارتباط المدن اليوم بالحياة العامة..
"مدن العالم اليوم تحتضن نصف سكان كوكب الأرض، ويخلفون 70% من النفايات ويستهلكون 80% من الطاقة، وهذا مؤشر على أن هنالك توسع هائل، وهذا ما يستدعي عصرنة المدن وأنسنتها أيضا".
هنالك شبه إجماع على أن ما تقوم به الحكومة من اعتماد لبرنامج عصرنة المدن هو مسعى جدي لنشر مفهوم السعادة وجودة الحياة، سواءً تعلق الأمر بتطوير البنى التحتية أو الخدمات .. تعليم، صحة ورقمنة.
لقد استطاعت الحكومة بحسب الدكتور الناني ولد المامي، توفير الطاقة لمدينوا نواكشوط وحدها بحدود 60 ميغاواط، و ضخ قرابة 18 مليار لإعادة تأهيل الشبكة الكهربائية، وفي التعليم تم تجهيز 3600 حجرة دراسية، و طوير البنى التحتية الصحية بشكل ملحوظ، إضافة إلى النقلة النوعية في مجال الرقمنة؛ لكن من المهم أن تعمل الحكومة على تطوريها بتوحيد الجهد مع الشركاء المحليين لكن لا يخرج المجتمع عن أصالته و أن تمزج بين العصرنة و الاستدامة في العمل خاصة بالعناية بالجانب البيئي مع الاستفادة من تجارب مدن عالمية أخرى .
تعقيب الأستاذ محمد أحيد ولد إسلمو، تلخص في توجيهات وإرشادات وركز فيه على العمل الجيد الذي تقوم "تآزر" في العديد من المجالات؛
وقال إن عصرنة المدن تصطدم بعقبات منها عدم الانسجام المجتمعي وغياب روح المواطنة، وعقلية عدم التفريق بين الحكومة والدولة ، وأشار إلى معضلة ارتجالية بعض المشاريع وغياب التخطيط وعدم وضوح الرؤية خصوصا في برمجة بعض البنى التحتية كتشييد مدارس مكتملة وعدم دخولها في نطاق الخدمة نتيجة عدم تغذيتها بما يكفي من التلاميذ.
وأوضح أهمية اعتماد ما اسماه بـ "مبدأ التحكيم" ما بين الموارد والحاجيات، في المرافق العمومية مستشفيات كانت أو مدارس، وتركيز الخدمة في موقع معيًن، وهي أمور من بين أخرى تقف حدرة عثرة أمام عصرنة المدن التي تجتاح ـ يضيف ـ إلى مجمعات تعليمية والقضاء نهائيا على "التقري العشوائي" وتقنين التقري، مشددا على أن لا وجود لعصرنة دون حل مشكلة الطاقة (نقل الكهرباء ما بين المدن الاستثمار في الطاقة النظيفة).
ولد إسلمو قال إن مندوبية تآزر ومن خلال برنامجا "تعمير" عملت على تغيير العقليات من خلال الشراكة مع المواطنين وخلق الانتاجية لديهم سواءً في الريف أو في الحضر، وأن هذا البرنامج مكن من بناء 3000 وحدة سكنية، و 107 مدرسة مكتملة تضم سكنا مدير وآخر للحارس،
29 سد، في مناطق ريفية كانت خصوصية هذا العمل مساعدة المواطنين على تملك الأراضي علاوة على الإعانات والتحويلات النقدية و كهربة 22 قرية والعمل حاليا على كهربة 22 قرية أخرى..
وخلص إلى أن تآزر بصدد القيام بخطة طموحة لسد النقص الحاصل لخدمات الصحة والتعليم في ولايات كوركول، كيدي ماغا، الحوض الشرقي وبعض المدن على غرار باركيول بابابي.
بقية العروض والتعقيبات والنقاش الذي فتح بعد ذلك، ركزت في أغلبها على العقليات، كأكبر معيق لأية برامج حكومية، مع التأكيد على ضرورة محاربتها بكل الوسائل الممكنة، كما لفتت المداخلات إلى غياب الرؤية في عديد المشاريع التنموية والفساد الذي ينخر المؤسسات العمومية وعدم اعتماد الاستراتيجيات المتوسطة وبعيدة المدى مع الاكتفاء في الغالب ببرامج استعجالية يراد منها الاستهلاك الإعلامي والمكاسب السياسية.


















