إعادة التأسيس العلاجية: رؤية تنموية في مواجهة التحديات | صحيفة السفير

إعادة التأسيس العلاجية: رؤية تنموية في مواجهة التحديات

اثنين, 02/06/2025 - 12:38
محمد لحظانه المستشار الفني لوزير التجهيز والنقل مكلف بالنقل الجوي

في ظل أوضاع محلية وجهوية ودولية متقلبة، يبرز سؤال محوري: كيف يمكن لبلادنا أن تمسك بزمام مصيرها، بدل أن تظل رهينة لتقلبات الخارج وتناقضات الداخل؟ الجواب لا يكمن فقط في تشخيص التحديات، بل في امتلاك إرادة فاعلة تترجم الوعي بالمرحلة إلى إصلاحات ملموسة ومؤسسات قوية.

وفي هذا السياق، يمكن فهم البرنامج التنموي الاستعجالي الذي أطلقه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بوصفه جزءًا من إعادة تأسيس علاجية، تسعى إلى معالجة الاختلالات الهيكلية التي راكمتها سنوات من السياسات غير المتوازنة. فالبرنامج لا يقتصر على الاستجابة للضغوط الآنية، بل يحمل في طياته تصورًا لإعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والمواطن، من خلال تعزيز العدالة الاجتماعية، وتكريس المساواة، وضمان التوزيع العادل للثروات.

ولعل من أهم معالم هذا البرنامج هو إشراك المواطن بفعالية في عملية التنمية، إذ لا يمكن لأي مشروع تنموي أن ينجح دون مشاركة حقيقية للمجتمع المدني، وتفاعل المواطنين في مختلف المناطق. فالمواطنون هم شريك أساسي في تحديد الأولويات، ورصد التنفيذ، وتقييم النتائج، وهو ما يرسخ مبدأ المواطنة الفاعلة، ويعزز الشعور بالمسؤولية الجماعية تجاه بناء الوطن.

إن الطابع “الاستعجالي” للبرنامج لا يعني الارتجال، بل يعكس إدراكًا بأن الوضع لا يحتمل مزيدًا من الانتظار. فالمناطق الهشة، والفئات المهمشة، والبنى التحتية المتآكلة، كلها تحتاج إلى تدخل سريع، ولكن ضمن رؤية بعيدة المدى تنقل الدولة من منطق التدبير الظرفي إلى منطق البناء المؤسسي المستدام.

هذا التحول لا يمكن أن يتحقق من دون إصلاحات مؤسسية عميقة تعيد الاعتبار لدولة القانون، وتضمن الشفافية والمساءلة، وتحفّز الطاقات الوطنية للمشاركة في المشروع الوطني الجامع. وفي هذا الإطار، يمثل إشراك المواطن في رسم السياسات ومتابعة تنفيذها ضمانة حقيقية لاستدامة الإصلاحات ونجاحها.

إن التحديات التي تواجهنا ليست قدَرًا، بل هي دعوة إلى الفعل، إلى أن نكون صُنّاع واقعنا لا مجرد ردود أفعال على محيط متغير. والرهان اليوم هو أن يشكل هذا البرنامج الاستعجالي نقطة انطلاق نحو تحول استراتيجي في فلسفة الدولة ووظائفها، بما يخدم الاستقرار والتنمية والكرامة الإنسانية