النائب ولد الزامل لـ "السفير": من الضروري بروز أغلبية منظمة | صحيفة السفير

النائب ولد الزامل لـ "السفير": من الضروري بروز أغلبية منظمة

ثلاثاء, 21/03/2017 - 14:01

سياسي تقلد عدة وظائف حكومية من أبرزها منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون وحقيبة الصيد والاقتصاد البحري.. كان سفيرا لموريتانيا في داكار إبان اندلاع أحداث 1989 المأساوية وشاهد عيان على المأساة البشعة التي تعرض لها مواطنوه في السنغال.

خص "السفير" بحديث شامل وصريح يكشف فيه عن خطة مدروسة ومحكمة رسمتها ونفذتها السلطات السنغالية آنذاك لتهجير الموريتانيين والاستيلاء على ثرواتهم وممتلكاتهم.. ويعرض رؤيته لواقع الحزب الحاكم وآفاق الأغلبية الرئاسية..

"السفير": ما هي قراءتكم لخطاب رئيس الجمهورية الأخير؟

محمد المختار ولد الزامل: أثناء الحملة الانتخابية التزم الرئيس بتسوية مشكلة من يسمون بالمبعدين؛ وذلك في غضون فترة لا تزيد على سنة.

وهذا الخطاب يندرج في إطار تنفيذ هذا الالتزام، وأعتقد أن عبارة المأساة التي ذكرها في خطابه تشمل كافة الموريتانيين الذين تأثروا من الأحداث مع السنغال. ولا أرى أنه يقصد بذلك مجموعة منهم دون أخرى؛ إذ أن تلك الأحداث التي وقعت أواخر الثمانينات شملت الكثير من الموريتانيين.. إلا أن معظم الحالات تم تناسيها أو تجاوزها مع مرور الزمن باستثناء موضوع المبعدين الذي تبنته تنظيمات وشخصيات في الداخل والخارج ودأبت على إثارته بشكل ملح.. وما أخشاه هنا هو أن يقتصر فهم مضمون الخطاب على قضية المبعدين فقط..

الخطاب تناول كذلك موضوع الرق -أو مخلفات الرق- وأعتقد أن هذه ظاهرة وطنية تاريخية لا تقتصر على موريتانيا؛ كما أنها لا تقتصر على مجموعة معينة من مكونات المجتمع الموريتاني دون غيرها من المكونات الأخرى.. بل هي واقع عاشته موريتانيا بمختلف أعراقها مثلما عاشته بلدان إفريقيا الغربية بشكل خاص.

قضية الرق تطرح دائما لأسباب قد تكون موضوعية، وإن كان الأوروبيون

والأمريكيون يهولونها أكثر مما هي عليه في الواقع؛ لأنهم يشعرون بذنب ويحاولون التكفير عنه.. فهم الذين مارسوا الاسترقاق بصورة منظمة، وأخضعوا له مئات الملايين من البشر.. وفي تصورهم أن تكفيرهم عن هذا الذنب التاريخي يتم عبر المبالغة في إظهار التعاطف مع أي صوت يشير إلى وجود أي شكل من أشكال الرق، بغض النظر عن صحة ذلك من عدمها، ودون بذل أي جهد للتدقيق في حقيقة الأمر..

فيما يخصنا في موريتانيا أعتقد أن هناك نوعا من الالتباس في حقيقة هذه الظاهرة التاريخية كما قلت؛ خاصة من ناحية الاعتقاد السائد لدى عدة جهات بأنها تخص العنصر العربي في المجتمع الموريتاني دون باقي العناصر. وهذا -بطبيعة الحال- اعتقاد خاطئ تماما..

نحن اليوم في وضعية تتطلب منا أن نسعى جميعا إلى ترسيخ الديمقراطية والعمل على إشاعة المساواة بين كافة المواطنين الموريتانيين، وتعزيز التضامن والتكامل فيها بين مختلف فئات المجتمع حتى ننجح في توطيد الوحدة الوطنية وفي ترسيخ الديمقراطية. أعتقد أن هذين الملفين بحاجة إلى أن تتم إثارتهما ومناقشتهما؛ وبالتالي معالجتهما معالجة يجب أن تكون موضوعية.

"السفير": أشرتم إلى أن المأساة التي ذكرها الرئيس في خطابه تشمل –حسب قراءتكم- جميع الموريتانيين الذين تضرروا من الأحداث.. وليس فقط مجموعة المبعدين؛ هل تقصدون ضحايا آخرين لهذه الأحداث غير من يوجدون حاليا في مخيمات اللجوء؟

محمد المختار: أود هنا أن أؤكد على أن أحداث 1989 عملية مدروسة ومعدة ومنفذة من طرف السلطة الحاكمة في السنغال -آنذاك- والمعارضة في تلك الفترة -أي السلطة الحالية- شاركت في المزايدات.. كانت السلطات السنغالية –حينها- تعتقد أنها بإثارة تلك الأحداث ستعالج الأزمة السياسية التي نجمت عن الانتخابات الرئاسية؛ والتي شككت المعارضة في نزاهتها واحتل أنصارها الشارع السنغالي ضمن موقف احتجاجي جماهيري واسع. وتوقف التعليم في كل المدارس والجامعات.. وكانت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والمالية خانقة.. ومن المعروف أنه كلما ظهرت أزمة خارجية تهدد أي بلد، يتولد عن ذلك تلاحم وطني وتجاوز لكل الأمور الداخلية المحلية.. كان ذلك هو الهدف الأول من وراء اختلاق تلك الأحداث الدامية وتم تحقيقه بالفعل.. وفي الوقت ذاته كانت السلطات السنغالية تتصور أن الاستيلاء على أموال التجار وأصحاب الحوانيت سيمكن من تسوية الأزمة المالية والأزمة الاجتماعية، حيث كانوا يعتقدون أن هناك نحو 100 ألف موريتاني ناشطين في المجال التجاري، ويمكن استبدالهم بسنغاليين عاطلين عن العمل، بحيث تحل مشكلة الشارع الذي يشكل هؤلاء أساس من يحركونه..

الرئيس السنغالي حينها (عبد جوف) قرر أن يطرد الموريتانيين من بلاده وطلب من نظيره الموريتاني (معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع) أن يسفر السنغاليين الذين يعيشون في موريتانيا.. قد يكون أخطأ في تقدير عددهم بحيث لم يكن يتصور أنهم يزيدون على عشرة آلاف شخص.. وبعد انتهاء التسفير في الاتجاهين تبين أن عدد السنغاليين العائدين من موريتانيا يزيد بكثير عن عدد الموريتانيين الذين سفروا إلى بلدهم.

الموريتانيون الذين تم تسفيرهم من السنغال سفر معهم عدد كبير من المواطنين السنغاليين ذوي الأصول الموريتانية؛ وهؤلاء ليسوا موريتانيين حاصلين على الجنسية السنغالية كما قد يتبادر إلى أذهان البعض؛ بل هم مواطنون سنغاليون لهم جذور عربية موريتانية استوطن أجدادهم وآباؤهم هناك وولدوا وشبوا وشاخوا في السنغال مواطنين كاملي الصفة في هذا البلد؛ هذا فضلا -ربما- عن موريتانيين حاصلين على الجنسية السنغالية سفروا كذلك ضمن نفس العملية..

لقد كان السنغاليون من أصول موريتانية أكثر المتضررين من الأحداث؛ لأنهم لم يتصوروا أبدا أن يتعرضوا لمثل هذه الاعتداءات على اعتبار أن جنسيتهم السنغالية -وحتى لون بشرتهم السوداء- يمكن أن تحميهم في وطنهم، إلى جانب الروابط العديدة وعلاقات الجوار مع بقية السنغاليين؛ لكنهم -رغم كل ذلك- كانوا هدفا لأعمال النهب والتنكيل والقتل والتهجير القسري. معظم الموريتانيين المقيمين في السنغال أخذوا حذرهم فلجؤوا إلى السفارات أو إلى جهات أخرى أمنت لهم أرواحهم على الأقل..

بينما السنغاليون المنحدرون من أصول موريتانية لم يفعلوا ذلك؛ لأنهم يشعرون بالأمان في بلدهم، ولا يتصورون أن أبناء وطنهم الآخرين قد يستهدفونهم بهذه الصورة البشعة.

"السفير": قضية هؤلاء المبعدين السنغاليين إلى موريتانيا لم تبرز بنفس الدرجة التي أثيرت بها قضية المبعدين الموريتانيين إلى السنغال..

محمد المختار: نحن -للأسف- لدينا دائما نقص، ولا ندرك أهمية دور الإعلام؛ فالدولة السنغالية استغلت تلك الأزمة إعلاميا حتى ترسخ في أذهان الكثيرين عبر العالم أن موريتانيا هي الطرف المعتدي، وأنها هي التي سفرت الرعايا السنغاليين المقيمين على أرضها، وأبعدت الموريتانيين الزنوج.. وهنا السنغاليين المقيمين على أرضها، وأبعدت الموريتانيين الزنوج.. وهذا مجانف للواقع؛ إذ أن ما حدث لم يكن سوى ردة فعل على ما وقع في السنغال.

وطبيعة المسفرين من الجهتين مختلفة.. فالموريتانيون الذين سفرتهم السلطات السنغالية كانوا أصحاب ثروات طائلة وقد فقدوا كل أموالهم وممتلكاتهم مع خسائرهم في الأرواح.. أما السنغاليون الذين كانوا في موريتانيا فهم أصحاب حرف يدوية منهم بناؤون ونجارون وميكانيكيون.. الخ؛ وكل واحد منهم أخذ أدواته في يده ورحل إلى بلده..

إلى جانب عامل التقصير في مجال توظيف الإعلام، هناك طبيعة المجتمع الموريتاني الذي يتكفل بأي فرد منه يتعرض لمحنة ما؛ كما أن البرامج التي تبنتها الدولة في تلك الفترة قد تكون ساهمت في دمج بعض المسفرين من السنغال؛ غير أن أموال هؤلاء التي تقدر بالمليارات لم يتم استرجاعها، وربما تم غض الطرف عن كل هذه الأمور في إطار التسوية بين الدولتين.

الجانب الموريتاني فتح كل الأبواب أمام الموريتانيين الراغبين في العودة إن كانوا سفروا أو أبعدا عن طريق الخطأ؛ وقد عاد الكثير من هؤلاء وبقيت مجموعة منهم. وأود هنا أن أشير إلى أن موريتانيا في فترة معينة من الثمانينات والتسعينات كانت تتعرض لحملة دعائية ضخمة؛ حيث كانت توصف بأنها دولة دكتاتورية تمارس نظام الآبرتايد (الفصل العنصري) وتمارس العبودية.. الخ. وأصبح أي إفريقي يرغب في الحصول الفوري على حق اللجوء في أمريكا الشمالية أو أوروبا الغربية يدعي أنه موريتاني فار من العبودية أو من العنصرية أو من الديكتاتورية.. وبذلك تحولت موريتانيا بقدرة قادر إلى واحدة من أكثر الدول لاجئين في أوروبا.. لكن عندما ننظر إلى هؤلاء عن قرب نجد أن غالبيتهم العظمى لا صلة لها بموريتانيا؛ لا من قريب ولا من بعيد. فيهم البعض من زائير، والبعض من وسط إفريقيا، ومن إفريقيا الغربية أيضا.. قد نجد فيهم بعض الموريتانيين، وبعض السنغاليين الذين عاشوا في موريتانيا.. كل هؤلاء المقيمون في أوروبا لا يهتمون بهذه التسوية لأن لديهم مسألة يتاجرون بها ويستغلونها كمصدر للعيش؛ وهي اللعب على أوتار وصف موريتانيا بأنها دولة عنصرية واسترقاقية.. ولن يتخلوا عن ذلك؛ أما من يطلق عليهم وصف المبعدين -والموجودون في معسكرات اللجوء- فيجب أن يسترجعوا حقوقهم كاملة إذا كانوا موريتانيين فعلا.

فكل موريتاني -من حيث المبدأ- له الحق في استرجاع حقوقه كمواطن من الدرجة الأولى بالتساوي مع كافة الموريتانيين وأن يتمتع بجميع حقوقه.. وإذا كان تعرض للضرر من طرف الدولة فمن حقه أن يطالب بالتعويض؛ لكن في المقابل يجب أن نكون حذرين.. لأن هذه المرحلة التي نعيشها حساسة؛ إذ أن موريتانيا هي أقرب نقطة في بلدان غرب الصحراء إلى أوروبا.. وهناك الكثير من الأفارقة من مختلف مناطق القارة يحاولون الهجرة غير المشروعة نحو أوروبا، وكلما لاحت لهم فرصة للاقتراب جغرافيا من أوروبا يحاولون بكل الوسائل اغتنامها سواء بصورة شرعية أم غير شرعية؛ ولاهمّ لهم غير بلوغ هذا الهدف. وبما أن بلادنا منطقة عبور للراغبين في الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا فعلينا الاستمرار في محاربة هذه الظاهرة، مع الانتباه لأية محاولة من شبكات الهجرة السرية والساعين إليها لاستغلال هذه العملية من أجل الدخول إلى موريتانيا.. زد على ذلك ما يشاع من أننا أصبحنا بلدا نفطيا، وما قد ينجر عن ذلك من رغبة لدى رعايا دول إفريقية أخرى يعانون من البؤس والفاقة، في الاستفادة من هذه الوضعية عبر الطموح إلى الحصول على الجنسية الموريتانية.

نحن نؤيد كل ما يتعلق بحق أي موريتاني في أن يتمتع بكامل حقوقه دون نقص؛ لكننا نود أن تكون الآليات التي سيتم اعتمادها تضمن أن يتمتع بالعودة واسترجاع كامل الحقوق الموريتانيون الذين يثبت أنهم فعلا موريتانيون فقط.

"السفير": على ذكر الآليات كيف يمكن -في نظركم- ضمان أن يتمتع كل المسفرين الموريتانيين من السنغال والسنغاليون المبعدون إلى موريتانيا بحقوقهم مثل المبعدين الموريتانيين الذي باتت عودتهم للوطن قريبة؟

محمد المختار: يبدو لي أن هذين الملفين قد يكونان مترابطين في بعض الجوانب؛ لكنهما منفصلان في جوانب أخرى.. الموريتانيون الذين سفروا من السنغال، والسنغاليون من ذوي الأصول الموريتانية الذين سفروا من السنغال كل ما تعرضوا له من مآسي تقع مسؤوليته على الدولة السنغالية؛ لا يمكن لأحد أن يقول إن بلدهم الأصلي لا مسؤولية عليه.. فالدولة يجب أن تحمي مواطنيها أينما كانوا، وأن تدافع عن مصالحهم حيث وجدوا، وعندما يتعرضون لأية مضايقة أو لأي ظلم عليها أن تدافع عنهم؛ لكن هذا الملف تم تجاوزه..

يبقى أن أولئك الموريتانيين ينبغي أن يكونوا معروفين ويعرف عددهم.. ويتم العمل على منحهم عناية خاصة من أجل دمجهم في الحياة الاقتصادية؛ أما بخصوص السنغاليين الذين سفروا من موريتانيا، فهؤلاء -كما ذكرت آنفا- تأثرهم محدود من الناحية المادية؛ لأنهم في الأغلب أصحاب حرف وليسوا أصحاب أموال أو ثروات، وقضيتهم يمكن أن تتم دراستها في إطار التعاون المشترك بين البلدين..

وأخيرا هناك السنغاليون من أصول موريتانية الذين سفرتهم السلطات السنغالية؛ هؤلاء المسؤول عنهم أولا وأخيرا هو دولتهم.. أما الموريتانيون من ذوي الأصول السنغالية الذين أبعدوا فتتحمل الدولة المسؤولية عنهم فعلا؛ لكن يجب التأكيد على ضرورة أن لا يستفيد من حق العودة والاندماج الكامل في البلد إلا الذين يثبت أن انتماؤهم لموريتانيا لا غبار عليه..

ولكن كيف يتم التأكد من ذلك؟ أعتقد أن هناك طرقا يمكن اتباعها في هذا الصدد.. هؤلاء كانوا يستفيدون من مساعدات تقدمها لهم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ولاشك أنها تملك بعض اللوائح تقدم على أساسها تلك المساعدات..

قد لا تتأكد بالضرورة من جنسيات الجميع الحقيقية؛ لأنها قد تجد آخرين ينضمون إليهم بغية الحصول على بعض المساعدات، لكن المهم أن تلك اللوائح تساعد -على الأقل- في ضبط هؤلاء ولو نسبيا، وتفادي تسلل أجانب إلى صفوفهم.. ثانيا كانت لدينا في موريتانيا سجلات لجميع القبائل والمجموعات والقرى، وكل أسرة معروفة..

وهذه السجلات يمكن أن تكون مرجعا في عملية تحديد هويات المبعدين الحقيقيين، وربما تكون هناك سجلات ولوائح خاصة بعمليات التسفير التي حدثت إثر أحداث 1989.. وفوق ذلك كل الموريتانيين يعرف بعضهم البعض؛ خاصة سكان المنطقة الواحدة، أو القرية الواحدة.

وهذا عامل مساعد في إنجاز العملية إذا ما تحلى الجميع بصدق النيات وتغلبت الروح الوطنية على الاعتبارات الأخرى.. لا أستطيع حصر الطرق والآليات في هذا المجال؛ إلا أنني متأكد أن الضوابط متوفرة والضمانات موجودة أمام السلطات العمومية من أجل ضمان عودة المبعدين الموريتانيين جميعا، إلى بلدهم من جهة، ومنع أي تسلل للأجانب تحت غطاء هذه العودة المشروعة، من ناحية أخرى..

"السفير": كنتم شاهدا على أحداث 1989 باعتباركم سفيرا لموريتانيا في دكار حينها؛ كيف كان دور السلطات السنغالية في تأجيج الأزمة، وكيف كان التعاطف الشعبي هناك مع محنة الجالية الموريتانية؟

محمد المختار: كما أوضحت قبل قليل، فالنظام السنغالي في تلك الفترة خطط لتلك الأزمة ونفذها، وهيأ لها إعلاميا ونفسيا داخل أوساط الشعب السنغالي والرأي العام الدولي.. أذكر أنهم فجأة طلبوا أن ترحل كل المواشي الموريتانية من السنغال، ووافقت الحكومة الموريتانية حينها، وقالت إنها سترسل فرقا من اتحادية المنمين وبيطريين للإشراف على عملية ترحيل المواشي الموريتانية التي تنتجع المراعي السنغالية.. وأثناء ذلك فوجئنا يوم الاثنين 28 نوفمبر -العيد الوطني لموريتانيا- بحملة إعلامية ضد بلادنا، بموازاة حملة إبادة جماعية للثروة الحيوانية الموريتانية الموجودة على أرض السنغال؛ علما أن الدولة الموريتانية وافقت على سحب تلك الثروة الحيوانية وشرعت في آليات تنفيذ عملية الترحيل..

أتذكر أن الحكومة السنغالية قررت اعتبارا من فاتح يناير 1989 منع ثلاث مواد تصنع في موريتانيا من دخول السنغال؛ وهي مياه بنشاب المعدنية -المياه الوحيدة من نوعها آنذاك في موريتانيا- والمعجونات الغذائية التي ينتجها مصنع فامو، والأسماك. ولم نوفق في معرفة السبب وراء هذا الإجراء المفاجئ..

ذكروا فيما بعد أنهم لاحظوا تراجعا في حجم المواد التي يصدرها السنغال عادة.. بعد ذلك تتالت حلقات مسلسل الحملات ضد الموريتانيين في السنغال، في وسائل الإعلام وفي المصالح العمومية.. مرة ظهر مدير الجمارك يتحدث في الإعلام السنغالي عن أصحاب الحوانيت الموريتانيين ليقول إنهم يستنزفون الاقتصاد السنغالي، وإن موريتانيا تعتمد على المواد التي يجنيها هؤلاء من تجارتهم في السنغال..

لقد أدركنا ما يدبر له، وحذرنا الموريتانيين من هذه الحملة؛ خاصة بعد ظهور اغتيالات في صفوفهم، حيث تم اغتيال اثنين من رعايانا في حي واحد من العاصمة السنغالية؛ قتلا بنفس الطريقة وتوفيا بنفس المستشفى، كل واحد منهما تعرض للضرب على الرأس وهو يتوضأ لصلاة الصبح أمام حانوته.. كل منهما أغمى عليه.. ونقل إلى المستشفى حيث لقي حتفه؛ كنا نتابع القضية وتطوراتها حيث أرسلنا السيارة التي نقلت هذين القتيلين إلى المستشفى، وأبلغنا مفوضية الشرطة؛ حيث اتضح أن المسألة -في نظر القائمين عليها- لا تستحق أي متابعة ولا تحقيق..

الشعب السنغالي طيب على العموم؛ لكن لا يوجد شعب في العالم يخضع طيلة سنة ونصف لحملة مركزة من التحريض ضد أناس يعيشون معه، ويصورون له على أنهم مصدر كل مآسيه، وعلى أنهم السبب في البؤس الذي يعيش فيه.. إلا ويتأثر حتما بذلك؛ هذا إلى جانب الدعاية المعادية للموريتانيين عبر الإذاعة والصحف، وعبر اللافتات والشعارات في كل مكان.. التي نصف موريتانيا بأنها بلد الآبرتايد! الشعب السنغالي بالتأكيد تأثر بهذه الحملة المركزة والمتواصلة والواسعة، كما تأثر بها الرأي العام الدولي. وعندما بدأت مرحلة التنفيذ كانت السلطات تشرف على إشعال فتيل الانفجار.. فرق منظمة بدأت بحي "بلاتو" في داكار وتعرف الحوانيت كلها واحدا واحد، وكلما مرت على دكان لبناني تتركه مغلقا، وكلما مرت بمتجر لأوروبي تتركه كذلك مغلقا، أما المتاجر الموريتانية فتقوم هذه الفرق بفتحها عنوة على مصاريعها ولا تأخذ منها حتى عود ثقاب واحدا.. تتركها فريسة لآلاف الجماهير البائسة تنهبها بفوضوية وبتواطؤ مكشوف ووقح.. ثم وجهت فرق إلى كل المناطق الأخرى ليحرضوا سكان الداخل على نهب أموال الموريتانيين على غرار ما حدث في داكار..

وهنا لابد من ذكر مواقف سجلناها لبعض الجهات في السنغال. وأود في هذا الصدد -شهادة مني للتاريخ- أن أثمن دور أسرة الشيخ إبراهيم انياس، في إيواء وحماية الموريتانيين خلال أيام تلك المحنة العصيبة؛ هذا الدور يجب أن لا ينساه الموريتانيون ويعرفوا أنه جميل سيبقى مطوقا أعناقهم.. قد يقول البعض إن هناك روابط خاصة ومميزة بين الموريتانيين وهذه الأسرة الكريمة -وهذا صحيح- إلا أن من الصعب للغاية، في ظل الظروف التي وصفتها آنفا أن تملك أسرة واحدة ضمن شعب بحجم الشعب السنغالي الجرأة على السير ضد ذلك التيار الجارف الذي يعكس إرادة الدولة والغالبية العظمى من المجتمع..

"السفير": من موقعكم سفيرا في داكار، كيف تعاملتم من الأمر، وهل أبلغتم السلطة، الحاكمة في انواكشوط مبكرا بما يحاك ضد الجالية هناك؟

محمد المختار: حين جئت سفيرا إلى السنغال، لم يكن هذا الجانب من العمل الدبلوماسي ضمن توجهاتي السابقة؛ لكن السفير الذي سبقني رأى بوادر الأزمة قبل ذلك بأربعة أشهر.. واتصل بالرئيس آنذاك وأبلغه أن هنالك وضعية غير طبيعية.. فاستدعاني الرئيس وأبلغني أنه قرر أن يكلفني بمهمة من خلال تعييني سفيرا في داكار..

ولم يكن لدي أي علم بأية بوادر توحي بتأزم أوضاع الموريتانيين في السنغال.. إذن فالسلطات الموريتانية أثناء تعييني سفيرا في داكار كانت على علم بما يحاك ضد جاليتنا هناك، وبطبيعة الحال عندما بدأت عملي كانت تلك البوادر واضحة، وكنت أبلغ السلطة الموريتانية بكل ما جرى شفهيا وكتابيا، وكانوا في مركز القرار هنا يتابعون الموضوع، لكن أعتقد أنهم لم يكونوا يتصوروا أن الأمور ستؤول إلى ما آلت إليه في نهاية المطاف.. كانت السلطات تعتبر ما يجري مجرد انعكاسات عرضية لما يجري على مستوى التجاذبات السياسية الداخلية في السنغال..

"السفير": خطاب رئيس الجمهورية جاء في ظرفية سياسية تتسم بالحديث عن محاولات لتوحيد إطار العمل السياسي للأغلبية الرئاسية بما فيها كتلة المستقلين.. هل لنا أن نعرف رأيكم بهذا الخصوص، باعتباركم شخصية قيادية في أحد أحزاب "الميثاق" وأحد نواب هذه الأغلبية الرئاسية؟

محمد المختار: نحن نعيش في وضعية غير مألوفة؛ فالأغلبية التي دعمت رئيس الجمهورية وساهمت في فوزه غير منتظمة سياسيا.. وهي تتكون من أحزاب أرى أنها مقزمة بالنظر إلى أن حجمها من حيث عدد منتخبيها محدود.. هذا إلى جانب المستقلين الذين يشكلون أغلبية بارزة ضمن الداعمين لرئيس الجمهورية. وعندما ننظر إلى عدد المنتخبين على مستوى الجمعية الوطنية، نجد أن ثلثي نواب الأغلبية الداعمة للرئيس هم من المستقلين؛ صحيح أن لكل أحد الحق -عندما تنظم انتخابات- أن يترشح مستقلا؛ لأن القانون يكفل له هذا الحق..

لكن أي مستقل غير منتظم في إطار سياسي، غير مرتبط بأطراف أخرى، سيبقى خارج النشاط السياسي؛ لأن هذا النشاط السياسي لا يمارس إلا ضمن إطار الأحزاب..

وهذا يشير إليه الدستور في بعض حيثياته؛ حيث يعتبر أن الأحزاب هي الإطار الذي يتم من خلاله التعبير عن الإرادة السياسية، وهنا يصبح من الضروري أن تنتظم هذه الأغلبية..

وفعلا تم طرح بعض الأفكار.. إما أن ينتظم المستقلون الذين يشكلون أغلبية في حزب سياسي على أن تحاول الأحزاب الأخرى أن تتقارب داخل حزب واحد، أو تتكتل في إطار ائتلاف يجمعها كأحزاب  أغلبية..

وهناك خيار آخر -أرى أنه الأفضل- أن يندمج الجميع في تشكيلة واحدة.. أقول "هو الأفضل" لسببين: الأول أن ذلك يمنحها قوة أكثر على صعيد المخزون الانتخابي وعلى صعيد النشاط السياسي، والثاني أن من شأن هذا الاندماج أن يخفف الأعباء المالية؛ لأن التنظيم الحزبي ونشاطه السياسي يتطلب قدرا معينا من الإمكانيات وعندما يكون هناك العديد من الناس يوحدون جهودهم وإمكانياتهم يكون العبء أخف؛ خاصة  وأننا لم نعد في تلك المرحلة التي يكون للدولة فيها حزبها بقيادة الرئيس؛ بحيث تسخر له كل الوسائل والإمكانيات..

طبعا هناك التعاطي بين الأغلبية ورئيس الجمهورية والحكومة -كل من موقعه- إلا أن هناك وضعية عشناها في السابق تجعل للرئيس حزبه، واليوم تجاوزناها ولم تعد واردة في الظرفية التي نحن فيها اليوم.

ومن هنا فإن من الضروري بروز أغلبية منظمة، وكلما كانت أكبر من حيث مكوناتها، كلما كان ذلك أفضل..

"السفير": ما مدى صحة ما يتردد هذه الأيام حول وجود خلاف داخل قيادة الحزب الجمهوري، وكيف تنظرون إلى آفاق حزبكم على ضوء هذا الحراك السياسي الذي تشهده مكونات الأغلبية الرئاسية؟

محمد المختار: الحزب الجمهوري -للأمانة التاريخية- قبل تغيير الثالث من أغسطس 2005 اعتزلته طيلة خمس سنوات، ولم أتقلد أي موقع في قيادته خلال تلك الفترة.. وبعد تغيير الثالث من أغسطس وانعقاد مؤتمره الثالث -وبالتشاور الوثيق مع عدد من الإخوة والزملاء والأصدقاء- أصبحت عضوا في قيادة هذا الحزب..

انسحب الكثير من أعضائه الذين التحق بعضهم بأحزاب المعارضة السابقة وتبنوا مواقف مناوئة لموقفهم السابق داخله، وبعضهم شكل أحزابا سياسية جديدة.. وبقي فيه الكثير، والكثيرون يرون أنه لو استمر متماسكا لحقق نجاحات كبيرة في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة؛ إلا أنه تعرض لما تعرض له من استهداف تسبب في انسحاب العديد من قيادييه..

ورغم كل ذلك بقيت في قيادته جماعة قد لا تكون كبيرة من حيث العدد؛ لكنها من حيث الكيف ثابتة ومسؤولة وحريصة على مصالح الوطن، وحريصة على الحزب.. وبقي له منتسبوه المنتشرون في كافة أنحاء الوطن.. بعضهم قد يكون صدم بما حدث أو لم يستوعبه.. لا علم لي بما يمكن أن يوصف بالأزمة داخل الحزب في الوقت الراهن وإن كان فعلا تأثر بشكل كبير جراء الهزة العنيفة التي تعرض لها بفعل تلك الضربة التي استهدفته..

كما قلت آنفا السياسة لا تمارس إلا من خلال الأحزاب، والحزب الجمهوري -كغيره من مكونات الأغلبية- في حوار مع كل هذه المكونات التوصل إلى صيغة لتوحيد الأغلبية الرئاسية؛ إما عبر الاندماج في تشكيلة واسعة تضم كل الأحزاب أو بعضها والمستقلين كلهم أو بعضهم؛ وإما تكوين جبهة أحزاب، وسيكون واحدا من تلك الأحزاب.. وعندما يتبلور الرأي النهائي سواء باتجاه تكوين تشكيلة واحدة، أم ائتلاف بين الأحزاب، فسيباشر الحزب الجمهوري تفعيل عمله التنظيمي وفق الحجم اللائق به..

 

السفير العدد: 549؛

الصادر بتاريخ: 04 يوليو 2007