مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 65) | صحيفة السفير

مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 65)

سبت, 04/03/2017 - 20:16

وصلنا المدينة في حدود الساعة الحادية عشر ليلا واتجه بي مرافقي إلى مجمع سكني يبدو أنه خاص بأفراد الدرك، ومن المواقف المضحكة التي حدثت معي تلك الليلة أن مرافقي أحضر علبا من الحليب البارد وكنت أشعر بالعطش وأردت أن أفتح إحداها  لأشرب فلم أستطع إذ لم أعرف من أين تؤتى لشكلها الغريب.

بالنسبة لي فيوم رحلت من البلاد قبل اثنتا عشر سنة تركت الحليب الألماني يأتي مزهوا بعباءته التي هي قنينة زجاج شفافة لامعة لها سدادة تشبه سدادة بخور أمي وفي بطاقة هويته يحمل اسم كانديا الذي أدمنت قراءته كل صباح على قنينة كانت عمتي تمنحها لي قبل الذهاب إلى المدرسة ، واليوم وجدته متنكرا في كرتون يشبه مكعبات الثلج لا يعرف أسفله من أعلاه ، وحين علم صاحبي القصة ضحك حتى أدمعت عيناه قبل أن يريني كيف أفتح ذلك الكرتون . ساعتها أدركت أن أشياء كثيرة قد تغيرت بعدي من طول الغياب .

في الصباح اصطحبني المرافق إلى قيادة الدرك وأدخلني على قائده وكان رجلا يدعو مظهره الخارجي بالرهبة والخوف لمن هم مثلي يرعبهم الحبل بعد لدغ الأفعى فقد كانت تتجسد فيه خشونة الرجال من ضخامة في الجسم وصرامة في النظرات ، لكن سرعان ما اكتشفت أن ظاهره لا يعكس باطنه فقد بادرني وبأسلوب مهذب بأن أتفضل بالجلوس وطلب لي شرابا ولم يسألني عن أي شيء سوى اسمي الثلاثي و عن المنطقة التي انتمي لها وعما إذا كنت سأعود للبوليساريو أم لا  فتذكرت حمارنا الأخضر ( أحمد سلامه ) يوم كبل يدي وراء ظهري وأمرني بالجلوس ثم ضربني بحذائه العسكري على المعدة لأسقط مغشيا علي فوق الكرسي. بعد أن دون قائد الدرك إجابتي على أسئلته المقتضبة أحالني إلي نائبه من أجل استكمال إجراءات التحقق من هويتي ، ولم يكن نائبه أقل منه لطفا في التعامل معه فبعد أن زودته بمعلوماتي الشخصية أخبرني بأنهم سيرسلونها إلى الجهات المختصة في مدينة روصو في الجنوب الموريتاني باعتبار أن مقاطعة واد الناقة التي هي مسقط رأسي تتبع إداريا لتلك المدينة ، وكان صادقا معي حيث قال لي بأن الأمر قد يتطلب بعض الوقت ولكن علي أن أعتبر نفسي بين أهلي ، وبالفعل فقد عاملني كما لو كنت ضيفا عنده فبعد نهاية الدوام اصطحبني إلى بيته وأكرمني بل إنه خصص لي غرفة بحمامها من أجل أن أقيم فيها في انتظار الرد على الرسالة التي بعثوها والمتعلقة بمعلوماتي الشخصية ، وأمام هذه المعاملة الطيبة لم يبق أمامي سوى أن أخفي عدم ارتياحي الناتج عن رغبتي الجامحة في أن تحل اللحظة التي أرى فيها وجه أمي وكل أفراد أسرتي ، وكان مضيفي (نائب قائد الدرك) خلال المقيل قد سألني إن كنت أعرف قريبا لي يدعى أبآبه يعمل رئيسا لمحكمة أطار (المدينة التي نوجد بها) وحين سألته عن اسمه العائلي قال بأنه نسيه وسيخبرني إن تذكره

 

يتواصل ......