مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 62) | صحيفة السفير

مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 62)

أربعاء, 01/03/2017 - 18:08

أوصلني السائق إلى حيث مقصدي فوجدت أمامي خليطا من الرجال والنساء والأطفال يفترشون حصائر في الهواء الطلق وكانوا يتهيؤون للنوم فاتخذت مكاني في الطرف لأنام ولكن تبين أني كنت أطلب المستحيل إذ لم يغمض لي جفن طوال الليل بسبب التفكير فيما إذا كنت في حلم أم أن فرحتي ستتم.

فأغادر تلك الأرض التي لفظتها روحي كما لفظني من لهم الكلمة فيها هم وأبواقهم من غثاء سيل تيندوف ولخبي ولعباضلة، ومن الممكن أن أكون مساء الغد داخل الحدود الموريتانية .

كانت القافلة تتكون من شاحنتين كبيرتين وسيارة لاندرو فير واحدة ، وقد أمضينا اليوم الموالي في تحميلها بشحنة كبيرة من المواد الغذائية التي اتضح أنها هبات لبعض سكان البوادي التي مررنا بها في الطريق ، وفي ذلك اليوم أحضر لي أحد عمال وزارة التعليم حقيبة مليئة بالملابس النسائية (الملاحف) وقال بأنها مساعدة من الوزير محمد سالم السالك  من أجل أن أقدمها كهدايا لأخواتي فاستلمتها وطلبت منه أن يبلغ شكري للوزير ، ويخبره بأني إن كنت قد تركت أخواتي عرايا فلم أعدهن بجلب الملابس وأن محتوى الحقيبة أولى به أخواتي الصحراويات لأنه أصلا جلب من أجلهن ثم أفرغت الحقيبة و وزعت ما فيها من ملابس على نساء كن ضمن القافلة فأصبح كل متاعي هو العصا والهرة كما قال أبو هريرة ، يعني أن كل ما معي هو الملابس العسكرية التي أرتديها ورواية البؤساء للأديب الفرنسي فيكتور هيغو  التي كنت قد بدأت قراءتها قبل أيام ولم يتسن لي أن أكملها فحملتها مع مثيلتها التي لعبت فيها دور البطل جان فال جان و إن كان بيننا فارق في حرم كل منا فأنا لم أسرق خبزا لإطعام أبناء أختي وأخف هويتي كما قيل .

في المساء بعد أن أصبحت الشاحنات جاهزة بحمولتها ولم يبق سوى أن نصعد تم استدعاء الجميع إلى باحة المجلس الوطني حيث اجتمع بنا محمد الأمين أحمد من أجل أن يودعنا وبعد كلمة توجيهية مقتضبة أوضح خلالها أن مدة ترخيصنا محددة في ثلاثة أشهر ، بدأ يصافح الرجال إيذانا بانطلاق القافلة ، وكانت تلك اللحظة من اللحظات القليلة التي أرى فيها مسؤولا في مناسبة كهذه يحجم عن مصافحة النساء ، وعندما وصل إلي أمسك يدي بيسراه قائلا بأن وداعه لي سيكون خاصا ، وبعد أن انتهى من مصافحة البقية انزوى بي جانبا وقال بأنه مني خلال الفترة التي سأقضيها في موريتانيا أن أكون سفيرا وسط الشباب الموريتاني في الصالونات من أجل إيصال رسالة تدعو إلى ضرورة وحدة البظان وخاصة بين الموريتانيين والصحراويين الذين أصبحوا مهددين في وجودهم من الشمال والجنوب في إشارة واضحة إلى المغرب الذي تقاتله البوليساريو والسنغال  التي خرجت للتو من أحداث دامية مع موريتانيا ، وقد تمنيت في تلك اللحظة أن يكون وضعي يسمح لي بأن أقول متهكما إنني لست ذاهبا إلى موريتانيا وإنما أنا ذاهب إلى " أهل لكريعات " ، وهي العبارة التي طالما أزعجني نعت أهل موريتانيا بها ، ومع ذلك فقد آلمني كثيرا كوني لن أستطيع الوفاء بآخر ما طلبه مني رجل أدين له بفضل عتقي من الذل والمهانة بمنحي ترخيصا ولو مشروطا بالعودة إلى بلدي وكان آخر ما قاله هو أنه يعتمد على في العودة إلى قسمي مع بداية السنة الدراسية القادمة ، وتلك مناسبة كنت أفرح بها منذ سنين خلت فقد كنت في الذي مضى أجد متعة في لقاء تلاميذي وبدء سنة جديدة . غير أن ذلك الزمن قد ولى يوم ولى أشباه رجال عن الزحف ولم يجدوا من ساحة بديلا عن ساحة الوغى يثبتون فيها رجولتهم المفقودة سوى ساحة للإجرام يجربون فيها ساديتهم ضد أبرياء كنت منهم جاؤوا للمساعدة في حمل الثقل .

يتواصل ......