التنافس الأنجلو-ألماني على شرق إفريقيا | صحيفة السفير

التنافس الأنجلو-ألماني على شرق إفريقيا

جمعة, 28/10/2016 - 00:02

 إلى غاية سنة 1875 و إلى حد كبير كانت منطقة شرق إفريقيا غير معروفة  و كان التجار العرب المحتكرون لتجارة الرقيق و العاج على دراية كبيرة بداخل المنطقة أكثر من أي أوربي ، لكن تطور تجارة زنجبار مع العالم الخارجي شجع الأوربيين على وضع قدمهم بها . و كانت تجـــارة الرقيق أهم نشاط لفت انتباههم ، و يبقى عام 1873 منعرجا تاريخيا حاسما حيث قاد ضغط الإنجليز إلى إرغام سلطان زنجبار على توقيع معاهدة تنص علـى ضرورة وضع حد لتجارة الرقيق . و على ضوء هذا الاتفاق، يتضح جليا أن الإنجليز استطاعوا أن ينفذوا بقوة إلى تلك المنطقة و أن يضعوا القواعد الأساسية لنفوذهم هناك.

وعند حلول سنة 1884 ، تضاعف نشاط المغامرين و التجار الألمان بجزيرة زنجبار ، وممن تألق نجمهم في ذلك الوقت HANSEATIC Merchants من هانبورغ Hamburg وبريمن Bremen . و في سنة 1884 ، أيضا ، تاسست جمعية استعمارية ببرلين عرفت باسم الجمعية الاستعمارية الألمانية Deutsche Kolonisation Gesellschaft Fur  و كان من أبرز مؤسسيها كارل بيترس Carl Peters  ، الكونت أوتو بفيفل Count Otto , Pfeilft  كارل جوهلك Carl Juhlk  وأوغوست اوتو August Otto. . أما الغرض من إنشائها فكان هو الضغط على الحكومة الألمانية للد+خول في حلبة الصراع و التنافس على المستعمرات و لاسيما في شرق إفريقيا.

وفي هذا السياق ،  دخلت ألمانيا إذن حلبة الصراع و التنافس الاستعماري متأخرة بسبب تأخر تحقيق وحدتها القومية إذ لم يتم ذلك إلا في سنة 1871 عقب الحروب التي عرفت بحروب الوحدة التي خاضتها ضد الدنمارك عام 1864، النمسا عام 1866 ثم فرنسا عام 1870.و كان المستشار الألماني (رئيس الحكومة ) فون أوتو بسمارك VON OTTO Bismarck يعتقد  أن المستعمرات تسبب مشاكل لألمانيا أكثر من المنافع ، لكن في الثمانينات من القرن الماضي غير رأيه فجأة ، و قد علل المؤرخون ذلك بوجود لوبي ألماني أدرك أن الكثير من الألمان قد شرعوا في الهجرة إلى العالم الجديد بصفة عامة و الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة ، و بالتالي، أصبح ذلك بمثابة خسارة لألمانيا. و عليه ، بدأ التفكير في ضرورة إنشاء مستعمرات لهم بإفريقيا.

وكانت الإمبراطورية الألمانية لا تستطيع ضمان الحصول على مواد أولية خصوصا إذا علمنا أن تلك الفترة قد شهدت انقلابا صناعيا بأوربا، و كانت إفريقيا بموادها الأولية و أسواقها خير ضمان لتحقيق ذلك.

إن التغيير المفاجئ في سياسة فون أتو بسمارك و تقبله فكرة الدخول في حلبة الصراع و التنافس الإمبريالي على المستعمرات قد مكنه من الفوز بالانتخابات البرلمانية فى ألمانيا +عام  1884. و بالإضافة إلى ذلك ، فإن المستشار كان يأمل أن التنافس الإستعماري سيؤدى إلى صرف أنظار فرنسا عن أوربا أي تناسيها لفقدانها لمقاطعتي الألزاس و اللورين( Alzace and Lorraine   ) كنتيجة للحرب البروسية الفرنسية عام 1870 و تسخير فرنسا لكل مواردها المالية و طاقاتها البشرية للمحافظة على مكتسباتها الإستعمارية بإفريقيا.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك مشاكل اقتصادية واجهت أوربا الغربية بصفة عامة وألمانيا بصفة خاصة في الفترة الممتدة من سنة 1873 إلى غاية سنة 1896 بحيث شهدت هده الفترة أزمة اقتصادية تمثلت في انخفاض كبير في الفوائد ، الأمر الذي أدى بالقوى الإمبريالية إلى التنافس فيما حول الأسواق فيما وراء البحار . واستمد هذا المد الإمبريالي وجوده من  طبيعة النظم الرأسمالي الذي يبحث باستمرار عن الأرباح و فتح أسواق جديدة وكان له أثر في العلاقات بين الدول الرأسمالية التي كانت تتنافس على المستعمرات، الأمر الذي فجر تناقضات كبيرة بينها و كانت تجد حلها في اتفاقيات علنية أو سرية تتقاسم بموجبها الغنائم. إن هذه التناقضات قد أدت إلى اندلاع الحرب الإمبريالية الأولى سنة 1914.

و كانت الإمبراطورية البريطانية أهم قلعة إمبريالية لأنها كانت تتحكم بصفة مباشرة في قسط كبير من العالم و لا سيما بآسيا و إفريقيا، في حين، كانت دول أروبية أخرى كألمانيا مثلا تتصارع من أجل أن يكون لها نصيبا .
ونتيجة للضغط المتزايد على الحكومتين الألمانية و الأمريكية، شهدت هذه الفترة تأسيس الكارتيلات، وبالتالي بداية عصر الإحتكار الرأسمالي ، وفـي المقابل، أصبحت الطبقات العمالية الصناعية أكثر تنظيما ، وبالتالي بدأت الأحزاب اليسارية تظهر على مسرح الأحدث السياسية والاقتصادية و أصبحت تهدد وتنافس الأحزاب اليمينيـة والحكومات الرأسمالية . وفي هذا السياق ، إختار فون أتو بسمارك عام 1882، ليصرح بأنه يخشى على الإمبراطورية الألمانية أن لا يكون لها نصيبا في الميدان التجاري بغرب إفريقيا خصوصا إذا ما علمنا أن الملك ليوبولد Leopold ملك بلجيكا قد شرع في تأسيس إمبراطورية بالكونغو.

و من الجدير بالذكر أن السياسة الاستعمارية الألمانية كانت تهدف إلى تحقيق غرضين هما:
1-إنشاء ألمانيا على نمط الدول الأنجلوفونية كأمريكا،أستراليا و جنوب إفريقيا.
2-الحصول على مواد أولية من المستعمرات التي تتم السيطرة عليها وذلك قصد تمكين
ألمانيا من الاستغناء عن استيرادها من الدول الإمبريالية الأخرى كبريطانيا وفرنسا.

و بين نهاية سنة 1884 و بداية سنة1885، قرر فون أتو بسمارك عقد مؤتمر للدول الاستعمارية ببرلين لتحديد مناطق النفوذ، ولتجنب الإصطدامات بين القوى الإمبريالية. و على هذا الأساس، طالبت الإمبراطورية الألمانية أن يكون لها نصيبا بغرب إفريقيا. و بالموازاة مع تلك المساعي التوسعية، تمكن المغامر الألماني كارل بيترس CARL PETERS الذي أسس الجمعية الألمانية الاستعمارية من السفر سريا إلى شرق إفريقيا، وخلال ستة(06) أسابيع أبرم إثني عشر (12) معاهدة مع رؤساء بعض القبائل بشرق إفريقيا تقرر بموجبها تنازل رؤسـاء القبائل عن أراضيهم و حقوقهم فيها.

ومما يجدر ذكره أن هؤلاء الرؤساء كانوا يجهلون ما تضمنته تلك المعاهدات أو نصوص تلك الوثائق ، إضافة إلى ذلك اعتبر البعض منهم أن ذلك لا يهمهم في شيء بل يهم سلطان زنجبار الذي ندد بذلك وأبلغ السلطات البريطانية بما حدث، لكن بريطانيا في عام1885 كانت منشغلة بمسألة التوسع الروسي في أفغانستان الذي أصبح يهدد مصالحها بالمنطقة، إضافة إلى التطورات التي حدثت بالسودان عقب مقتل الجنرال البريطاني غوردن Gordon من طرف أنصار الزعيم السوداني محمد أحمد الملقب بالمهدي الذي تزعم ثورة ضد التواجد المصري- الإنجليزي بالسودان وتمكن من السيطرة على العاصمة الخرطوم . وبسبب هذه التطورات المهددة لمصالح بريطانيا , تجنب الإنجليز أي اصطدام مع قوة استعمارية أخرى . و من ثمة، وعندما أرسل فون أو توبسمارك Bismarck  خمسة (05) زوارق حربية إلى جزيرة زنجبار , فإنهم أشاروا على السلطان بضرورة قبول الأمر الواقع . ثم بدأ التفاوض بين القوتين الاستعماريتين و بدون استشارة أصحاب الحق الأصليين تم التوقيع بينهما سنة 1886 على اتفاق يقسم البلاد على النحو التالي:

– جزر زنجبار و بمبا (Pemba) و الشريط الساحلي لتنجانيقا المواجه لهما على طول 300 ميل و عرض عشرة أميال لسلطان زنجبار.

– تقسيم المناطق الداخلية الى قسمين : شمالي تحتله بريطانيا و جنوبي تحتله ألمانيا أي منطقة نفوذ تمتد من واد رفوما Rovuma على الحدود مع الموزمبيق إلى واد أومبا Umba (الحدود الحالية مع كينيا ).

و في سنة 1888، قامت شركة شرق افريقيا الألمانية التي أسسها كارل بيترس  المشار إليها أعلاه و التي حظيت بدعم من الحكومة الألمانية ابتداء من سنة 1885 بالتوقيع على اتفاق مع سيد خليفة سلطان زنجبار الذي خلف السلطان برغاش Bargash  في مارس عام 1888 يقضي بتنازل السلطان للألمان على إدارة المناطق الممتدة من مدينة تانجا  Tanga  الساحلية شمالا إلى واد روفوما Rovuma  جنوبا لمدة (50) عاما.

بيد أن ما ينبغي أن نشير إليه هنا ، هو أن هذه التطورات جعلت رئيس الحكومة البريطانية اللورد سالزبوري Salisbury (11) يتعرض إلى ضغوطات من وزارة الخارجية ومن الرأي العام البريطاني قصد التحرك السريع حتى يوضع حدا للنشاط الاستعماري الألماني بشرق إفريقيا. وركب نفس الموجة ماكنون MacKinnon وبعض تجار مانشيستر Manchester الذين أسسوا شركة شرق إفريقيا البريطانية للإستغلال والإستعمار. كان ماكنون شخصية طموحة إلى أبعد الحدود، وأراد منافسة الألمان ، وتطلع إلى تحقيق هدف يتمثل في ربط ممتلكات بريطانيا في شرق إفريقيا بممتلكاتها في جنوب إفريقيا التي تديرها شركة جنوب إفريقيا البريطانية Bristish South Africa Company التي يشرف عليها سيسل رودس.

وفي أبريل 1889، توغل الألمان في شرق إفريقيا بسرعة فائقة مقارنة بالإنجليز بحيث تمكن كارل بيترسPeters   من التوغل بأوغندا لضمها إلى ممتلكات شركته لكن الألمان في هذه الفترة  بدؤوا يخشون في أوروبا من التقارب الفرنسي الروسي الذي توج  بالتوقيع على تحالف بين الدولتين وحصول الروس على قرض من باريس . وعليه ، احتاج بسمارك إلى صداقة بريطانية وتجنب أي اصطدام معها.

وكانت الدبلوماسية البريطانية في هذه الفترة تهدف إلى وضع حد لمطالب الألمان بأوغندا ، وبنى اللورد سالزبوري إستراتيجيته على ضرورة الاستحواذ على أوغندا ، كينيا و فرض الحماية على زنجبار . وعلى هذا الأساس ، دخل الطرفان في مفاوضات جديدة و توصلا على إثرها في النهاية إلى إبرام اتفاقية في ماي سنة 1890 التي تضمنت النقاط التالية:

1- اعتراف ألمانيا بالحماية البريطانية على زنجبار .
2- تنازل ألمانيا لبريطانيا على وتو Witu و كل المناطق الساحلية الواقعة شمال واد تانا Tana .
3-  السماح لبريطانيا بمد حدودها إلى غاية بحيرة فكتوريا Victoria  و الحدود مع الكونغو البلجيكية .
تعهد بريطانيا بالتنازل لألمانيا على جزيرة هيليغولندا Heligoland  (جزيرة صغيرة ذات موقع إستراتيجي تقع بالقرب مـن الحدود الألمانية في أوربا) و تعديلات في الحدود بغرب وجنوب غرب إفريقيا.
4- تعهد بريطانيا بإقناع سلطان زنجبار عن التنازل نهائيا للألمان عــن الأراضي المحددة في اتفاقية 1886 و الممنوحة لشركة شرق إفريقيا الألمانية مقابل مبلغ مالي في الاتفاق المبرم مع سلطان زنجبار عام 1888.

وكنتيجة لهذه الاتفاقية دفعت ألمانيا لسلطان زنجبار مبلغ 200 ألف جنيه مقابل تلك الأراضي.
وعلى ضوء هذه الاتفاقية، نستنتج أن كل المناطق الواقعة بين الموزمبيق جنوبا ومناطق النفوذ البريطانية شمالا أصبحت تعرف بشرق إفريقيا الألمانية German Fast Africa     وفي المقابل ، أعلن الإنجليز حمايتهم على جزيرة زنجبار يوم 04 نوفمبر 1890، أما المناطق التي كانت تسيطر عليها شركة شرق إفريقيا البريطانية قد أصبحت تعرف بمحمية شرق إفريقيا البريطانية والتي قسمت لاحقا إلى محمية أوغندا ومستعمرة كينيا.

ردود فعل الاهالي للتواجد الامبريالي الالماني في المنطقة

بالرغم من أن فكرة الكيان الوطني كانت مفقودة بسبب خضوع جزيرة زنجبار والشريط الساحلي المطل على المحيط الهندي لسلطة سلطان زنجبار، والمناطق الداخلية الخاضعة للقبائل المتناحرة فيما بينها كالمساي Masai في الشمال و الواهيهي في الجنوب و النقوني Ngoni في الوسط، إلا أن الأهالي لم يتقبلوا هذا الوضع الجديــد و المتمثل في التنافس الإمبريالي على أراضيهم فقاموا بثورات و انتفاضات ضد الإمبريالية الألمانية و تواجدها بالبلاد بالرغم من أنها كانت ثورات إقليمية محدودة الإطار الجغرافي، ولم تستطع تجنيد وتوحيد كل القبائل (بسبب العداء التقليدي و الحروب الدائمة بينها) إضافة إلى تطبيق الألمان لسياسة فرق تسد.

ا- إنتفاضة أبو شيري بن سليم الحرثي و بوانا هيري :
في سنة 1888، واجه الألمان انتفاضة كبيرة قادها عرب وأهالي الشريط الساحلي  المطل على المحيط الهندي بزعامة أبوشيري بن سليم الحراثي  وبوانا هري (زعيم قبيلة زيقا Ziga ) وحاكم سادني Sadani.
سوسيلوجيا ، كان ساحل تنجانيقا على غرار ساحل كينيا تحت تأثير السواحليين والثقافة الإسلامية . حدث تزاوج بين العرب و الزنوج نتج عنه ما يعرف بالسواحلييين الذين يتكلمون اللغة السواحلية Swahili  التي هي عبارة عن خليط بين اللهجة البانتونية (نسبة الى قبيلة البانتو Bantu) و اللغة العربية ، و مارسوا حرفة التجارة لمدة قرون .

و من الجدير بالذكر أن شركة شرق إفريقيا الألمانية عندما تسلمت حكم البلاد قد واجهت معارضة العرب في الشريط الساحلي. كان العرب يدركون أن سيطرة الألمان تعني بدون شك إلغاء تجارة الرقيق. كان حكام الأقاليم بالمناطق الداخلية قد حققوا نوع من الاستقلال عن سلطان زنجبار. و عليه ، كانت تجارة الرقيق و العاج تلقى رواجا ، بحيث تمركز التجار العرب بأقاليم طابوراTabora وأوجيجي Ujiji ، و هذا ما يفسر لنا إطلاق الألمان على هذه الإنتفاضة “بالإنتفاضة العربية” انتفاضة تجار الرقيق من العرب الذين كانوا يخشون فقدان مراكزهم الإقتصادية .

إن أسباب هذه الإنتفاضة تكمن في تنازل السلطان للألمان على الشريط الساحلي لمدة خمسين (50) عاما ، بما في ذلك حق فرض الضرائب على الأهالي وجمعها خصوصا إذا ما علمنا أنه جرت العادة أيام حكم السلطان السماح للكثير من رؤساء القبائل بفرض الإتاوات على القوافل التجارية العابرة لأراضيهم .

و عليه ، اعتبر ذلك تهديدا لمصالحهم من الناحية السياسية والإقتصادية، وبالتالي، تجريد زعماء كأبي شيري بن سليم الحرثي وبوانا هري Bwena Heri من هذا الامتياز.

ومما يجدر ذكره أن انتفاضة أهالي الشريط الساحلي كانت إنتفاضة شعبية ضد حكم أجنبي بحيث عندما بدأت الإنتفاقضة صرح أبو شيري بن سليم قئلا :” أقسم بالقران أنني لا أرتاح حتى أطرد الألمان من البلاد”. و تحت قيادته، قامت شعوب الساحل بحرق فرقاطة حربية ألمانية بتنجا Tanga في سبتمبر عام 1888 و أعطوا مهلة يومين للألمـــان بمغادرة الساحل. ثم هاجموا مدينة كلوة Kilwa و قتلوا الألمانيين المتواجدين بها، كما لم تسلم محطات البعثات التبشيرية المسيحية من هجماتهم.

وفي يوم 22 سبتمبر، هاجموا مدينة باغامويو Bagamoyo و كان عددهم آلاف مقاتل. عجزت شركة شرق إفريقيا الألمانية عن التصدي لانتفاضتهم التي وصفها الألمان” بالانتفاضة العربية” التي استدعت تدخل الحكومة الألمانية عسكريا بعد حصولها على قرض صادق عليه الريخستاج(البرلمان) لوضع نهاية للخطر. وعليه تمثل تدخل الحكومة الألمانية في إرسال قوات عسكرية بقيادة هرمن فون وسمن الذي وصل إلى زنجبار في أفريل سنة 1889 وهاجم أبو شيري بن سليم في قلعته بالقرب من بغامويو ، وأجبره على الفرار والتحصن في الشمال بأوزيغا لكــــن غدر به وسلم للألمان الذين أعدموه ببنغاني يوم 15 سبتمبر سنة 1889.

تواصلت الإنتفاضة السواحلية بزعامة بوانا هري الذي كاد أن يوحد القبائل الإفريقية لمحاربة الألمان والتخلص من تواجدهم في البلاد. ونظرا لتفوق الألمان من ناحية الأسلحة واستعمال الزوارق البحرية التي تمكنت من تطهير المدن الساحلية، اضطر بوانا هري إلى تسليم نفسه للألمان لكن عندما استسلم ، كل العرب ، الهنود، العبيد، أهالي قبيلتي زيغا ونيامويزي وقبائل أخرى استسلمت معه.

إن  استسلام بوانا هري قد مكن الألمان من السيطرة على  واد بنغاني  وجبال أوزمبرا ، وبالتالي ، أصبحت هذه المناطق موطنا للكثير من المستوطنين الأوربيين . وتحطمت المقاومة السواحلية عندما قنبلت البحرية الألمانية مدينة كيلوا الساحلية وسقطت بيد الألمان في مايو سنة 1890. وفي نفس الوقت ، تمكن الألمان من إخضاع قبيلة غوغو Gogo ثم قبيلة الشاقــــا ، وبالتالي، استكمال إخضاع القبائل المتواجدة في الشمال ولاسيما القبائل المتواجدة حول بحيرة فيكتوريا.

ومما تجدر الإشارة إليه هو أن بعض الأوبئة كالطاعون قد ساعدت الألمان في انتصاراتهم بحيث ساهم انتشار هذه الأوبئة في إضعاف بعض القبائل كالمساوي ، الزينـزا و كراغوي .

ب- ثورة الواهيهي:
تعد هذه الثورة من أهم  الثورات التي عرفها تاريخ  تنزانيا الحديث و المعاصر بعد انتفاضة الماجي ماجي . وقاد هذه الثورة مكواوا زعيم قبيلة الواهيهي .  فمن هي قبيلة الواهيهي ؟ تمتد المنطقة التي تقطنها قبيلة الوهيهي  Wahehe بين واد رواها Ruaha   و كيلومبيرو Kilombero   بالهضاب العليا الجنوبية Southern Highlands  . و عليه ،  يمكننا القول أن موطن هذه القبيلة هي المناطق الواقعة حول اقليم إرينغا Iringa (انظرالخريطة) ويتكلم أهالي قبيلة الوهيهي  اللهجة البانتوية ، كما يعود الفضل في معرفتنا لهذه القبيلة إلى التجار العرب الذين  توغلوا داخل البلاد  من جزيرة  زنجبار للبحث عن العاج الرقيق مقابل الأسلحة ، الذخيرة و الألبسة خصوصا إذا ما علمنا أن تجارة الرقيقوالأسلحة كانت تلقى رواجا في الثلاثينات من القرن الماضي عهد زعيم القبيلة مونيغامياMunygumba  أمر القبيلة لولديه مكواو  Mkwawa  و موهنغا Muhenga  بعد تمكنه من توسيع رقعة الوهيهي Wahehe الجغرافية على حساب قبيلة سانغو Sangu  المتمركزة بسهول واد رواها Ruaha  شرق اقليم مبايا Mbeya  برز مكواو كزعيم بدون منازع عندما أثبت قدراته الحربية في صد هجمات قبيلة نغوني Ngoni عام 1881 ، إضافة الى مقتل أخيه موهينغا و بعض زعماء القبيلة.

وكانت قبيلة الواهيهي  من أغنى القبائل بالمستعمرة، وهذا ما تؤكده المصادر خصوصا في وصفها للحصن الذي بناه مكواوا بكالنغا Kalenga التي اتخدها مقرا لسلطته. فكان للقبيلة مخزنا كبيرا خصص لتخزين العاج وآخر خصص لتخزين الذخيرة ،  إضافة إلى مخزن خاص بالملابس والمواد الغذائية . وعندما فشلت انتقاضه الساحل بقيادة أبو شيري بن سليم في تحقيق هدفها ، رأى مكواوا ضرورة توقيف زحف الألمان الذين يحتلون كل الشريط الساحلي ، وللحيلولة دون تمكنهم من السيطرة على الأقاليم الأخرى وتهديد مصالحه.

وفي سنة 1891 ، عينت الحكومة الألمانية جوليوس فريهر فون سودن Julius Freiherr Von Soden كأول حاكم عام للمستعمرة، فشرع على التو في بناء حصون بمبابوا وكيلوسا لكن الواهيهي ظلوا يهاجمون القوافل التجارية ويفرضون الإتاوات، ويعاقبون الأهالي الذين قبلوا السيطرة الألمانية على البلاد.

وحينما خشي الألمان على مصالحهم الاقتصادية وعلى تواجدهم بالبـــــلاد، و تخوفوا من إمكانية مهاجمة الواهيهي للمدن الساحلية المطلة على المحيط الهندي ، وبعد أن ترددوا في البداية لأن الحاكم العام لم يكن بحوزته موارد مالية وبشرية كافية  للدخول في مواجهة مع الواهيهي الذين صار يدفعهم إلى الثورة تخوفهم من فقدان السيادة على أراضيهم ومصالحهم الاقتصادية ولاسيما قضية الإتاوات ( هونغو Hongo  باللغة السواحلية ) التي كان يفرضها مكواوا على القوافل التجارية العابرة لأراضيه [33] و التي كان الألمان يعتبرونها تهديدا مباشر لوجودهم فــــي المستعمرة ، قرروا في النهاية ، إلغاء جميع الامتيازات التي كان يحظى بها زعيم قبيلة الواهيهي،[34] و بدؤوا يفكرون في التخلص منه قصد حماية المستعمرة من جهة، و للمحافظة على سمعة و هيبة الإمبراطورية الألمانية من جهة ثانية.

و نظرا لتفوق الألمان في العتاد العسكري ، توصل مكواوا إلى نتيجة هامة تتجلى في ضرورة تجنيد اكبر عدد ممكن من القبائل لإلحاق الهزيمة بالألمان، و من ثمة طردهم من البلاد . و على هذا الأساس، قام باتصالين مع كل من:

أولا : اتصل بشبروما Chabruma  زعيم قبيلة نغوني Ngoni  الدي هزمه مند سنوات لكن هذا الأخير لم ينس تلك الهزيمة و رفض التحالف مع مكواوا Mkwawa  ضد الألمان .
ثانيا : اتصل بسيكي Siki  زعيم قبيلة نيا مويزي  Nyamwezi الذي رفض هو الأخر مساعدته في حالة دخوله في حرب ضد الألمان.

وأمام هذا الفشل في استمالة القبائل ، لجأ مكواوا إلى الديبلوماسية لتجنب الإصطام بالألمان و أرسل هدية إلى قائد الحامية الألمانية بمبابوا لكن هذا الأخير أرسلها إلى حاكم المستعمرة و تجاهل مكواوا. و في ذات الوقت ، وصلت معلومات إلى مكواوا مفادها أن الألمان يحصنون المناطق الخاضعة لهم و يعدون لإرسال حملة عسكرية تضع حدا لتهديداته. كان مكواوا على علم بتحركات القوات الألمانية مستعينا في ذلك ببعض الجواسيس.

وفي جوان 1891 ، أرس الحاكم العام  قوة عسكرية بقيادة الملازم الأول ايميل فون زيليسكي Emile Von Zelewski الذي عبر واد روفيجي Rufiji  و عسكر بقرية ايلولة Ilula  ليلة 16 أوت 1891. و في اليوم الموالي ، تحركت القوات الألمانية قاصدة كالنغا Kalenga  لكنها فوجئت بمقاتلي الواهيهي Wahehe  وهم يخرجون من الأدغال بلوغالو Lugalo ويهاجمهم ويلحقون بهم خسائر فادحة في الأرواح والتعاد.

والجدير بالذكر أن مكواوا ظل سيدا على إقليم إرنغا lringa طوال أربع سنوات ويفرض الإتاوات على القوافل  التجارية ، كما هاجم  مدن ميكيندواMukondoa  و أوزاغا Usaga، إضافة إلى مدينة كيلوسا Kilossa  في سنوات 1892و 189.
وفي هذا السياق ،  استفادت الحكومة الألمانية من الدرس ، و بعد أن أخدت في الاعتبار إمكانيات الأهالي و متطلبات المعركة ، قررت إرسال قوة عسكرية بقيادة العقيد فون شيل Von Schele  ضمت خمس كتائب تحت إشراف ستين ضابطا و بدون أدنى انتظار بدأ الهجوم على قلعة مكواوا ليلة 30 أكتوبر 1894. و أمام الأسلحـــــة المتطورة و الإمكانيات التقنية المستعملة من طرف الألمان ، سقطت القلعة و لجأ المقاومون إلى الانسحاب، ثم راحوا يعيدون تنظيم أنفسهم في إطار حرب العصابات.

ومما يجدر ذكره أن مكواوا كان زعيما محترما و محبوبا من طرف جماهير الشعب التي احتضنتـــه و وضعت تحت تصرفه كل إمكانياتها المادية و البشرية ، الأمر الذي جعل الألمان يعجزون على القضاء عليه  ، و دفع الحاكم العام فون  ليبرت Von  Liebert  إلى تخصيص مبلغ خمسة ألاف (5000) روبية مقابل رأسه ، كما لجأ الألمان إلى تطبيق سياسة فرق تسد ، معتقدين أن ذلك سيؤدي إلى إضعاف قبيلة الواهيهي . و في أوت سنة 1896 ، قسمت المملكة إلى جزئين و استمالت إليها الزعيم المنافس لمكواوا المدعو مبا نجيلي Mpangile ،  الذي قبل الدور في الظاهر لكنه كان في الواقع ، رافضا  له ، و قد اطلع الألمان على تعاونه سريا مع قوات الجزء الثاني مــن المملكة و اكتشفوا أن الأمر كان كذلك عام 1897 بأكمله . و عليه، فإنهم لم يترددوا في إعدامه [42].  لكن مقاومة الواهيهي لم تلبث أن أصابها  الوهن و بدأت  تتراجع  تدريجيا  بسبب المجاعة وانتشار الأوبئة ، إضافة إلى استسلام الكثير من أتباع مكواوا أو قتلهم من طرف أعوان الألمان الذين كانوا عادة  من السواحليين .[43] كل ذلك أثر في نفسية مكواوا الذي أرهقه التعب والمرض وانفضاض الأنصار من حوله، فقرر في شهر أوت 1898، أن ينتحر بسلاحه بدلا من الإستسلام للعدو.

إن مقاومة الاستعمار الألماني لم تنته بالقضاء على ثورة الواهيهي وزعيمهم مكاواوا بل تواصلت مع أهم إنتفاضة عرفتها القارة السمراء ألا وهي انتفاضة الماجي ماجي Maji Maji من سنة 1905 إلى غاية سنة 1907.

ج- انتفاضة الماجي ماجي (1905-1907):
كانت انتفاضة الماجي ماجي أكبر تحدي للتواجد الاستعماري بشرق إفريقيا خلال هده الفترة. إن الأسباب البعيدة و القريبة التي أدت إلى قيام هذه الإنتفاضة خلال هذه الفترة . إن الأسباب البعيدة و القريبة التي أدت إلى قيام هذه الإنتفاضة تتجلى في فداحة الضرائب ، العمل الإجباري و ظروف العمل القاسية إضافة إلى المعاملة السيئة و الاستغلال الفاحــش و التواجد الألماني بالبلاد في حد ذاته.[45] و في نهاية القرن التاسع العاشر، أصدر الألمان مرسومان أديا إلى تذمر الأهالي . فالأول كان عبارة عن فرض ضريبة الكوخHut Tax عام 1898 المقدرة ب ثلاثة[46] روبية في السنــة و كان على الأهالي الأفارقة دفعها نقدا . اعتبر الأهالي أن هذه الضريبة النقدية جد مرتفعة خصوصا إذا ما علمنا أن الكثير من القبائل لم تكن متعودة على دفع الضرائب. أما المرسوم الثاني، فقد تضمن إجبارية زراعة القطن.

وفي هذا السياق ،ألح الحاكم العام فون غودزن Von Gotzen على ضرورة زراعة القطن بجنوب المستعمرة .تضمن القرار ضرورة إقدام كل مسؤول على قرية بتخصيص مساحة لزراعة هذا المحصول ،كما يستوجب على الأهالي العمل في هذه المساحات.

وتشير المصادر أن هذا المشروع كان يشبه تماما مشروعا طبق من طرق الأمان بمستعمرتهم في الطوغوTOGO في غرب إفريقيا، و بما أن زراعة القطن لم تحقق نتائج إيجابية في الشمال ، حث الحاكم العام على ضرورة إجبار الأهالي الأفارقة على العمل لمدة ثمانية و عشرين يوما في السنة بالمزارع المخصصة لذلك.

وتجدر الإشارة إلى أنه شرع في تطبيق هدا المشروع سنة 1902 انطلاقا من مدينة دار السلام ثم امتد إلى موروغرو Morogoro  وكيلوسا Kilossa . كان الأهالي يتقاضون أجورا بسيطة جدا حتى أن البعض منهم رفض تقاضيها.

وتمثلت ردود فعل الأهالي بطبيعة الحال رفض العمل في إطار هذا المشروع الذي إن دل على شيء فإنما يدل على رغبة السلطات الألمانية في استغلالهم ، إضافة إلى إجبارهم على مغادرة مزارعهم  و التنقل إلى المزارع العمومية أي التابعة للحكومة الألمانية أو إلى مزارع المستوطنين الأوربيين للعمل فيها بعيدا عـن قرارهم و ذويهم ن و كان المسؤولون الألمان و أعوانهم من السواحليين يستعملون أساليب خشنة لإجبار الأهالي الأفارقة على العمل في تلك المزارع. وتحرك زعماء القبائل في الجنوب و من بينهم زعماء قبيلة نقوني و اتيحت لهم فرصة مناسبة لاستغلال بعض المعتقدات الدينية الوثنية و الإتصال ببعض رجال الدين الوثنيين  و حثهم على تحريك مشاعر الأهالي و عدم قبول الأمر الواقع بل يستوجب الشروع في التحضير لانتفاضة تهدف إلى طرد المستعمر من البلاد و إعادة الإعتبار لزعماء القبائل  الذين فقدوا الكثير من الإمتيازات بسبب سيطرة الألمان على البلاد.

ومما يجدر ذكره أن العلاقات بين زعماء القبائل و السحرة الأفارقة كانت جد حسنة منذ قرون بحيث كان هؤلاء السحرة يقدمون النصائح لزعماء القبائل و يساعدونهم في البحث عن حلول للمشاكل التي تعترضهم .
و بالرغم من أن قبائل الوسط و الشمال قد ضعفوا بسبب إنتفاضاتهم الفاشلة ضد الألمان ، و بالتالي عدم القدرة على قيادة حركات مسلحة، فقبائل الجنوب و من ضمنها قبيلة نقوني أو نجندو Ngindo ، كانوا أقوياء بسبب عدم إصطدامهم بالألمان .كانت قبائل جنوب المستعمرة أكثر بدائية من قبائل الشمال أو الوسط ، و على هذا الأساس، تمكن السحرة من التأثير عليهم بسهولة .

ورغبة منه في توحيد الأهالي لمواجهة الإستعمار الألماني ، استغل زعيم الإنتفاضة كنجي كيتيلي نقوالي Kinjikitile Ngwale  الذي كان يعيش بقرية نغارومبي Ngarambe  معتقداتهم الدينية الوثنية السائد بينهم ، فعلمهم أن وحدة و حرية كل الأهالي هي مبادئ أساسية، و يستوجب عليهم توحيد صفوفهم و المحاربة من أجل حريتهم ضد الإستعمار الألماني في حرب أمرها الله، و سيلقون مساعدة أسلافهم الذين سيعودون إلى الحياة بعد مماتهم.

بدأت الإنتفاضة في جنوب شرق المستعمرة التي تجاهلها الألمان بسبب قلة الموارد المالية و البشرية المتخصصة في الميدان الإداري . ففي أواخر جويلية من سنة 1905 ، تجمع أهالي قبيلة ماتونبي Matumbi  الواقعة شمـال غرب مدينة كيلوة و هاجموا مقر المسؤول الأول عن القرية المدعو سيفو بن عماري Sefu Ben  Omari لكن هذا الأخير لاذ بالفرار، وواصل أهالي الماتونبي تطهير تلالهم مـن العرب، الهنـود و الأروبيين.

وكان الشباب الألماني هوبفر Hopfer  أول من أعدم من طرف المنتفين، وكان من بين خمسة مزارعين ألمان اهتموا بزراعة محصول القطن في المنطقة .

وفي اليوم الموالي ، هاجم الأهالي المراكز التجارية التي كان يملكها الهنود بسامنغا Samanga ، و في نفس الوقت ، هاجم أهالي قبيلة نجندوNgindo   التجار العرب الذين كانوا يترددون على المنطقة . أقدم المنتفضون على قطع خطوط التيلغراف ، و احتلوا مدينة لندي و كيلوة ، كما هددوا مدينة دار السلام و حاصروا سنجيا (انظر الخريطة ) و دمروا المحطات التابعة للبعثات التبشيرية المسيحية في الجنوب، إضافة إلى إحراق مدينة كيلوسا عاصمة شرق افريقيا الآلمانية .يلاحظ أنه خلال أسبوعين ثار كل الأهالي القاطنين حول واد روفجي Rufiji  أي من مدينة كيلوسا إلى مدينة ليوالي Liwale وعند نهاية شهر أوت سنة 1905، أقدم أهالي نجندو على نقل مجريات القتال جنوبا أي إلى منطقة لوكو ليدي أين حطموا مراكز البعثات التيشيرية المسيحيـة ، و غربا الى غاية قرية كيليمبيرو ، وفي 30 أوت حاول 8000 مقاتل من من قبيلة مبونغا مهاجمة ماهنغي  و الإستيلاء على العتاد الحربي المتواجد بها لكن القوات الألمانية تمكنت من صد هذا الهجوم و ألحقت بالمنتفضين خسائر فادحة في الأرواح.

و أمام تفاقم الوضع ، أرسل الحاكم العام فون غوتزن تقريرا إلى برلين يحث الحكومة الألمانية على النجدة و إرسال المساعدات العسكرية إلى المستعمرة . وعليه ، أرسلت الحكومة الألمانية باخرتين وكتيبة تابعة للقوات البحرية وعتادا حربيا معتبرا، وبالتالي، كان ذلك بمثابة نقطة تحول في مجريات الأحداث التي كادت أن تعصف بالتواجد الألماني بالبلاد ، وأصبحت الكفة لصالح الألمان نظرا لتفوقهم اللوجستيكي. ففي أواخر أوت، ألقي القبض على زعيم الإنتفاضة لكن قبل إعدامه صرح قائلا:” موتي لا يفيدكم بشيء لأن تعاليمي قد انتشرت بالبلاد”.  شرع الألمان في تطبيق سياسة الأرض المحروقة بتدمير الأكواخ وإتلاف الماحصيل الزراعية إضافة إلى إعدام المئات من مقاتلي قبيلة نقوني. كما إستعان الألمان أيضا ، بقبيلة روغاروغا Rugaruga والتي تم تسليحها ، الأمر الذي أدى إلى إعدام الكثير من المنتفضين. ويجب الإشارة إلى أن مقاتلي القبيلة السالفــــة الذكر كانوا تحت قيادة بعض السواحليين الذين برعوا في تدمير المحاصيل الزراعية.

وابتداء من ربيع سنة 1906 ، شرع الألمان في إعدام زعماء الإنتفاضة ، بحيث أعدم نغامي Ngamey  الذي قاد الإنتفاضة بكيتوبي  Kitope  في مارس سنة 1906. أما زعيم قبيلة نقوني شبروما Chabruma ، ففر إلى الموزمبيق (شرق إفريقيا البرتغالية ) أين توفي بها لاحقا . أما قبيلة نجندو، فتمكنت من الصمود معتمدة على حرب العصابات إلى غاية جانفي سنة 1907 عندما تمكن الألمان من قتل زعيمهم عبد الله مباندا . إن إقدام الألمان على حرق المحاصيل الزراعية قد تسبب في انتشار المجـــاعة  و الأوبئة ،  وبالتالي ، التمكن من و ضع نهاية لهذه الإنتفاضة .
ومن خلال ما تقدم ، يمكن القول  أن السبب الرئيسي لانتفاضة يعود إلى القرار الصادر عن الحاكم العام الذي أجبر الأهالي على زراعة القطن في الجنوب ، و كانت منطقة روفيجي Rufiji  أول منطقة شرع فيها بزراعة هذا المحصول . وعليه،  يخلص الدارس إلى ما يلي :

أولا: بالرغم من أن المشروع لم يطبق في كل المناطق التي ثارت ضده إلا أن الإنتفاضة بدأت في المنطقة التي بدأ تطبيقة فيها.
ثانيا: بدأت الإنتفاضة في موسم ا لقطف .
ثالثا: بدأت الإنتفاضة في ماتونبي عندما تلقى الأهالي أمرا بالشروع في قطف القطن.
رابعا: أصبح محصول القطن مستهدفا من قبل الأهالي لحرقه كما حدث في كيلوسا Kilossa عندما أقدم الأهالي على حرق محصول القطن.

ومما تجدر الإشارة إليه هو أن انتفاضة الماجي 1905-1907 كانت عبارة عن حركة مختلفة وأكثر تعقيدا من الحركات أو الانتفاضات السابقة ضد التواجد الإستعماري الألماني بالبلاد. فالانتفاضات السابقة إعتمدات على تقنيات تقليدية وعادة ماكانت محدودة الإطار الجغرافي ومن مبادرة فردية يقوم بها زعيم قبيلة ما بينما إنتفاضة الماجي ماجى شملت جل القبائل التانزانية القاطنة جنوب المستعمرة . وعلى هذا الأساس، يمكننا القول أن الماجي ماجي كانت عبارة عن حركة ثورية وحدت قبائل الجنوب ضد الإمبريالية الألمانية.

إن هذه الانتافضة مقارنة بالانتقاضات السابقة كانت حركة ثورية أدت إلى إدانة الاستعمار الألماني عالميا وحدثت مباشــرة بعد انتفاضة الهيريـــــرو Herrero    و الهوتنتو بجنوب غرب إفريقيا (نامبيا اليوم) والتي أخمدها الألمان بكل قسوة  ووحشية . فخلال سنتين من القتال ، قتل الألمان خمسة و سبعين ألف (75000) من منتفضي انتفاضة الماجي ماجي إلا أن مصادر أخرى تذكر أن العدد يصل إلــــــى مائة و عشرين ألف (120.000) ضحية . تلت الانتفاضة ثلاثة (03) سنوات مجاعة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض كبير في عدد سكان المستعمرة أي شرق إفريقيا الألمانية. وعلى هذا الأساس ، هاجم بعض النواب في الريخستاج(البرلمان) الألماني المسؤولين الإستعماريين الألمان على أساس أنهم مسؤوليين عاجزين وغير إنسانيين . إن التنديد على المستويين الداخلي والخارجي قد أجبر الحكومة الألمانية على إنشاء قسم يهتم بشؤون المستعمرات عرف بكتابة الدول للمستعمرات Colonial Office وتعيبن الدكتور برنهارد درنبرغ Bernhard Durnberg  كاتبا للدولة وأرسل إلى شرق إفريقيا للتحقيق في أسباب إنتفاضة الماجي ماجي.

صرح الرئيس التانزاني الأسبق جوليوس نيريري Julius Nyerere  في عدة مناسبات بعد استقلال البلاد عام 1961 أن انتفاضة الماجى ماجي قد أكدت على تمسك الشعب التانزاني بفكرة ضرورة طرد المستعمر بالقواة. فقال:” كان هدف الانتفاضة محاولة طرد المستعمرين بالقوة …حارب الأهالي ضد الألمان لأنهم كانوا لا يؤمنون بأحقيقة الإنسان الأبيض في حكم الإنسان الأسود… ثاروا كرجل واحد ملبين نداء الواجب، مقاومة المستعمر الأجنبي ووضع نهاية لسيطرته”. وعليه ،  وفي سنة 1965، تم بناء تمثال يخلد ذكرى إنتفاضة الماجي ماجي بناء على قرار صادر عن الرئيس جوليوس نيريري شخصيا. وفي سنة 1967 عندما انعقد مؤتمر الإتحاد الواطني الإفريقي التانزاني (T.A.N.U) بمدينة موانزا Mwanza، طالب المؤتمرون الوقوف دقيقة صمت ترحما على أرواح إنتفاضة الماجي، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية إنتفاضة الماجي ماجي في تاريخ تانزانيا المعاصر.

أخيرا ، يمكننا القول أن هذه الإنتفاضة كانت هامة من نواحي هي :
– أولا: كانت محاولة من أجل البحث على وسيلة جديدة تمكن الأهالي من طرد الإستعمار الألماني من البلاد و الحصول على الإستقلال .
– ثانيا: حاولت إنتفاضة الماجي ماجي التغلب على تفوق الألمان من ناحية الأسلحة بتوحيد الأهالي عن طريق استعمال المعتقدات الدينية  الوثنية كحافز ضد الخوف من الألمان الذين قهروا قبائل الشمال في نهاية القرن الماض.