رابطة العالم الإسلامي تلتزم بتدريب الأئمة في غرب أفريقيا | صحيفة السفير

رابطة العالم الإسلامي تلتزم بتدريب الأئمة في غرب أفريقيا

اثنين, 26/09/2022 - 18:04

إن الأحداث والمتغيرات المتسارعة التي تشهدها القارة الإفريقية منذ عام 2001 ، ومنها انتشار التطرف الديني ،وترويج خطاب الكراهية والتمييز العنصري، فرضت على الحكومات والمنظمات في العالم الإسلامي اتخاذ اجراءات عديدة للحد من المخاطروالآثار السلبية لتلك الأحداث، ومنها توفير وإعداد الأطر الدينية التي تسهرعلى أداء وظائفها الشرعية المنوطة بها، وتأهيلها وتدريبها على نشر الوسطية والاعتدال وتوعية مختلف شرائح المجتمع بمخاطرالتطرف والغلو .

لذلك نجد أن وثيقة مكة المكرمة التي اعتمدها 1200 عالم ومفكر من مختلف المذاهب والطوائف الدينية في العالم الإسلامي في ختام أعمال المؤتمر الإسلامي الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في مايو 2019 بعنوان (قيم الوسطية والاعتدال في نصوص القرآن والسنة) ، قد أولت أهمية قصوى للموضوع حيث أبرزت دور الآئمة والدعاة ، من خلال منابر الجمعة ، في تحصين المجتمعات المسلمة وتوعية المسلمين بعاطفتهم الدينية والأخذ بأيديهم نحو مفاهيم الوسطية والاعتدال .

واستجابة لاحتياجات المسلمين في عدد من الدول الأفريقية في مجال الـتأطير الديني الهادف ، ووعيا بأهمية وضرورة إعداد الأطر الدينية للقيام بوظائفها الشرعية المنوطة بها وفق منهج الوسطية والاعتدال ، وقعت رابطة العالم الإسلامي اتفاقية تعاون مع الاتحاد الإسلامي الإفريقي بتاريخ 23 أغسطس 2022 ، تنص على إنشاء أول مجلسٍ لعلماء غرب أفريقيا تحت مظلة الرابطة وبرعاية من الحكومة السنغالية، كما تهدف الاتفاقية إلى تفعيل مضامين وثيقة مكة المكرمة في المجالات التربوية والدينية والثقافية، وتدريب الأئمة بغرب أفريقيا، وإقامة ملتقى “دوريٍّ” لعلماء غرب أفريقيا يبدأ من العاصمة السنغالية دكار، وتنفيذ برامج متخصصة لخدمة اللغة العربية وثقافتها.

إن تكوين الأطرالدينية في المجتمعات الأفريقية يكتسي أهمية قصوى اليوم بالنظر إلى ما تقوم به الجماعات المتطرفة من حملات تضليلية باسم الإسلام عبر خطابات متطرفة تدعو الناشئة من الأطفال والشباب إلى العنف والقتل وسفك الدماء وتدميرالأوطان وعرقلة جهود التنمية في الدول الأفريقية التي يعاني أغلبها من الأمية والفقروالجوع والحروب الأهلية والتدهور البيئي والتمييز العنصري.

ومما لا خلاف فيه أن من بين أهداف تكوين الأئمة والدعاة تدبير الشأن الديني للمسلمين في الدول الأفريقية المسلمة وغير المسلمة ، وصيانة أماكن العبادة من التشويش والفرقة، وضمان حرمتها، وإرشاد الأطر الدينية إلى قواعد جامعة وموحدة، وفق مبادئ الوُسع والوسطية والتسامح ، بالإضافة إلى تحقيق الأمن الروحي والمحافظة على الهوية الإسلامية للمسلمين في القارة الأفريقية، وتعميق التواصل والتفاهم بين الأقليات المسلمة في هذه القارة ومجتمعاتهم غيرالإسلامية،وتعزيز مكانة الأئمة والدعاة وتقوية أدوارهم في تنمية المجتمعات الأفريقية.

ومن تلك الأهداف كذلك إشراك الأئمة والدعاة في نشرقيم الاعتدال والحوار والتسامح والتآخي، ونبذ التعصب والكراهية المذهبية والتعريف بالخطاب الإسلامي المعتدل والمنفتح على الثقافات والحضارات الأخرى واحترام الأديان، وقيم حقوق الإنسان، والنهوض بالوظائف الاجتماعية وتقديم النصيحة والمشورة في شؤون الدين والدنيا بالتي هي أحسن وفق مبدأ رفع الحرج عن الناس، ومراعاة الخلاف والمآل والمصالح العامة، والنهوض بالوظائف التربوية ومراعاة المحيط المحلي والدولي وفق مبدأ الوفاء بالعهود والمواثيق وحسن الجوار والرفق في الحوار، ومراعاة حقوق الناس، وحرمة أموالهم وممتلكاتهم وأموالهم ودمائهم.

إن للدعاة والأئمة في غرب إفريقيا قدرة كبيرة لتحقيق هذه الأهداف ، خاصة إذا تم تنظيم عملهم في إطار "مجلسٍ علماء غرب أفريقيا " تحت مظلة الرابطة وبرعاية من الحكومة السنغالية . وبالنظر إلى كونهم من العلماء المتمكنين من العلوم الشرعية ومن فقه الواقع ومستجدات العصر ومقتضيات التطور، فإنهم يحظون بمكانة رفيعة في مجتمعاتهم ، وباحترام وتقدير كبيرين في قلوب المؤمنين . لذلك نصت اتفاقية التعاون بين رابطة العالم الإسلامي و الاتحاد الإسلامي الإفريقي على مشاركة الدعاة والأئمة الأفارقة في التعريف بمضامين وثيقة مكة المكرمة وتفعيل توجهاتها في المجالات التربوية والدينية والثقافية، والمساهمة في نشر محتوياتها وتنفيذ بنودها ، لأنها وثيقة دستورية تحتذى في إرساء قيم التعايش وتحقيق السلم بين مكونات المجتمع الإنساني ، وتعلن بداية عهد جديد في التعاون الدولي والإنساني لنشر قيم السلام والأمن والعيش المشترك من منظور إسلامي متشبت بثوابته الشرعية ومنفتح على القيم الإنسانية المشتركة ، ومبادئ الشرعة الدولية المتمثلة في الإعلانات والقوانين والاتفاقيات الصادرة عن الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.

___________
د. المحجوب بنسعيد. باحث في الاتصال والحوار الثقافي