موريتانيا: انواكشوط مدينة العطش.. والظلام | صحيفة السفير

موريتانيا: انواكشوط مدينة العطش.. والظلام

جمعة, 18/11/2016 - 14:55

خسائر بالملايين.. وصورة قاتمة لحاضر قاتم

مؤسسات للدولة أم دولة للمؤسسات؟!

تعاني مدينة انواكشوط هذه الأيام من شح كبير في المياه قارب حد العطش المميت؛ إضافة إلى انقطاعات متكررة وغير مبررة لتيار الكهرباء.. وقد نجمت عن هذه الحالة أضرار جسيمة للمواطنين.

للأسبوع الثاني على التوالي يعاني سكان العاصمة انواكشوط من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب تضاربت الآراء حول أسبابها؛ فالبعض ربطها بالتسيب الحاصل في توزيع المياه على مقاطعات العاصمة وعدم مراعاة حجم وحاجيات كل مقاطعة على حدة، بينما يفسرها البعض بربط الأنابيب القادمة من "إديني" عن طريق مقاطعة توجنين بأنابيب فرعية موجهة إلى المزارع الخصوصية بمقاطعتي توجنين ودار النعيم؛ والتي يقوم أصحابها بتلك العمليات بالتعاون مع بعض عمال شركة توزيع المياه (SNDE) مقابل مبالغ مالية يدفعونها لهم بدون اشتراك رسمي.

ويفسرها البعض الآخر بأن أشخاصا نافذين يقومون بوضع مضخات مياه (سبريسير) تحد من تدفق المياه إلى الآخرين.. إلا أن كل هذه التجاوزات في حد ذاتها ليست مبررا لحرمان المواطن البسيط من حقوقه؛ مع أن هذه الخروقات والاستغلال غير المرخص والتسيب في إدارة المياه ليست جديدة علينا.. لكن ليس إلى هذا الحد.

 

برميل مياه.. أم بترول؟

 

المواطنون ضاقوا ذرعا بغلاء سعر برميل المياه الذي تحول من 200 أوقية إلى 1800 في مقاطعة عرفات، و2000 في مقاطعة توجنين، وأكثر من 1100 في تيارت.. فمن المسؤول عن هذا الارتفاع الجنوني؟

أحد ملاك الحنفيات  يرى أن"المسؤولية عن هذا الارتفاع تقع على أصحاب العربات أنفسهم؛ فالشركة لم تزد من أسعار المياه، بل ما زالت تبيعها بسعرها المعهود، وهم بدورهم يبيعونها بـ50 أوقية للبرميل الواحد..

 أصحاب العربات المتهورون انتهزوا فرصة نقص المياه وارتفاع الطلب عليها فباعوا حسب أهوائهم؛ بينما البلدية حددت مبلغ 200 أوقية فقط كحد أعلى لسعر البرميل وعلى المواطنين اتخاذ الحيطة والحذر من هؤلاء واقتيادهم إلى الشرطة إذا باعوها بسعر أكبر من ذلك.. في الوقت نفسه نسمع عن مالكي حنفيات يحتكرون المياه ولا يبيعونها لأصحاب العربات غير التابعة لهم".

وقد ناشد صاحب الحنفية المواطنين أن يتمالكوا أنفسهم ولا يندفعوا إلى شراء المياه بهذه الأسعار..

لكن كيف سيحصل هؤلاء على ما يطفئون به عطشهم؟ عائشة سيدة تقطن في مقاطعة عرفات، التقيناها وهي تحمل قنينة من فئة 20 لترا ويبدو أنها ليست المرة الأولى؛ فمنذ أسبوع –حسب تصريحها- وهي تحمل هذه القنينة وتسير بها إلى حنفية تبعد عن سكنها أكثر من 500م، ولا يكفي وصولها لتعبئة ما تحمل، بل لا بد لها من الدخول في الطابور لمدة طويلة تحت لهيب الشمس الحارقة تفاديا لعطش أبنائها الصغار؛ لقد تخلت عن كل شيء من أجل شربة  ماء، وحتى الوضوء؛ فالمياه في حيها شحيحة وغالية جدا.. وهي لا تكفي الشرب، فما بالك بأشياء أخرى.

سيدة من بين مئات الأسر في أحياء انواكشوط العشوائية التي تعاني من ويلات الفقر المدقع والأمراض، فإذا استمر النقص الحاد من المياه فكيف سيكون حالهم؟

سكان أحياء الانتظار المنتشرة على أطراف العاصمة والذين لا يمكن أن تصلهم أبسط الخدمات بسبب تقريهم العشوائي وعدم تحرك السلطات المتعاقبة لتسوية مشكلتهم، هم الحلقة الأضعف في هذه المعادلة؛ فهم لا يملكون قوت يومهم فكيف لهم بشراء المياه التي لم تعد تطاق! والتدخل الذي تقوم به مفوضية مكافحة الفقر لا يعدو كونه تدخلات خجولة؛ فهي تمنح كل أسرة من هؤلاء  20 لترا لمدة يومين أو ثلاثة، مع توزيع -غير منظم ولا عادل- تستفيد منه قلة من هؤلاء بينما الأكثرية تكتفي بالتفرج فقط؛ أما الكهرباء فقد أصبح انقطاعها مألوفا لدى سكان العاصمة وبشكل دوري؛ تارة يقصر هذا الانقطاع وتارات أخرى يطول.. وبدون أي سابق إنذار، وبشكل لم تشهده المدينة منذ مدة طويلة؛ فمنشآت شركة الكهرباء أصبحت متهالكة وغير منظمة، وعمالها هم المسؤولون عن ضعف هذه الشبكة التي تزيد طاقتها الاستيعابية عن حاجيات العاصمة في عصر أصبحت فيه الكهرباء المحرك الوحيد لنشاطات السكان؛ وخصوصا أصحاب الأعمال الحرة الذين اكتفوا بالجلوس والتفرج على المارة؛ فمحلات الحلاقة بصنفيها -الرجالي والنسائي- أصبح عملها مرهونا بالآلات الكهربائية، وكذلك ورشات اللحامة وإصلاح الأجهزة.. والقائمة تطول؛ أما أصحاب الدكاكين والبقالات فحديثهم معنا ذو شجون..

 

مواد تتلف دون اكتراث

 

عثمان صاحب بقالة في مقاطعة عرفات،  لا يرى ضوءا في النفق، فكلما ودع البطالة، حاصرته من جديد، فقد ازدادت معاناته بسبب انقطاعات الكهرباء التي أتلفت ثلاجته نهائيا وأصبح كل ما كانت تحويه غير صالح للاستعمال.

 ولا تقف الخسارة عند هذا الحد، فأصحاب المخابز خسروا مجموعة كبيرة من الدقيق بعد إعداده، إذ كان العمال ينوون خبزها وفجأة انقطعت الكهرباء وهم متأكدون أنها لن تعود قريبا.

ومما انجر عن انقطاعات الكهرباء زيادة أسعار بعض المواد المرتبطة بها كالخبز الذي أصبح بضاعة يتم تسويقها بنقلها من منطقة إلى أخرى؛ وبأسعار مرتفعة.

الماء المعدني أيضا ارتفع سعره؛ وقد صرح لنا بعض المواطنين أنه تأثر بقلة المياه؛ ذلك أنه "ليس معدنيا بل هو مياه بحيرة إديني".

من المخجل ونحن في الألفية الثالثة وفي دولة تمتلك موارد هائلة.. أن نعاني من نقص في المياه أو ضعف في شبكة الكهرباء؛ لأن الاثنين باتا من أبسط الأمور التي على الإدارة أن توفرها بشكل دائم لمواطنيها؛ فنحن اليوم نتطلع إلى مستقبل واعد وتطور هائل بحكم التغييرات التي عشناها؛ إلا أن الحلم أصبح كابوسا.. الكل يأمل إيجاد الحلول لمشكلاتنا الجوهرية -الاقتصادية منها والاجتماعية- والكل أصبح أيضا يتخوف من كارثة عطش مميت وظلام دامس طال جميع نواحي الحياة.. ومن الملاحظ أيضا أن غياب الكهرباء هذه الأيام زاد من عمليات السطو على البيوت والأشخاص وعلى السيارات أيضا.

شركة الكهرباء التي لا تقيم وزنا لأي مواطن، يجب أن تتحمل الفاتورة الباهظة لما تكبده المواطنون من خسائر نتيجة الانقطاعات المفاجئة للكهرباء؛ فالمسؤولون في هذه الشركة يشنون حرب استنزاف اقتصادية يعتبر الضعيف أكثر المتضررين منها، فهم يحتقرون المواطن إلى حد عدم إشعاره بانقطاع الكهرباء ليتخذ الحيطة اللازمة.

إحدى قاطنة عرفات اعتبرت شركة الكهرباء "جار السوء" إذ لم يشفع وجود المحطة على حافة هذه المقاطعة لسكانها في الاستفادة أكثر من الكهرباء؛ بل إنها كانت من أكثر المقاطعات انقطاعات! في حين يتم التركيز علي الأحياء الغنية، لتدفع الأحياء الشعبية وحدها الفاتورة، فمتى تستقيم المعادلة، فيصبح المواطنون متساوين في الحقوق والواجبات؟

إعداد: سيدي محمد ولد محمد المختار

أرشيف السفير: العدد  517 بتاريخ 18مايو 2007