الحلقة 39 من تاريخ الأنظمة في موريتانيا (ملتقى الصراحة) | صحيفة السفير

الحلقة 39 من تاريخ الأنظمة في موريتانيا (ملتقى الصراحة)

سبت, 05/11/2016 - 11:14

انعقد في نواكشوط 22 يناير 1982 تحت إشراف "حمود بن الناج" الأمين الدائم للجنة العسكرية، وكانت مشاركتي صريحة وأرى هنا من الواجب أن يطلع عليها القارئ حتى يحكم لها أو عليها وهذا نصها:

"إنني لأشكر الأمانة الدائمة للجنة العسكرية للخلاص الوطني على هذه المبادرة الأولى من نوعها التي اتخذتها من أجل الحوار المباشر مع الشعب.

 الشيء الذي سيمكن كل واحد منا ولأول مرة في تاريخ بلادنا من أن يعبر بحرية عن انطباعاته وبعد هذا المدخل سيتمحور تدخلي حول النقاط التالية:

الإدارة

الاقتصاد

الرق

اقتراح اجتماعي

هياكل تهذيب الجماهير

الإدارة: إن إدارتنا معطلة وتعاني من تراكم أمراض هدامة جعلت منها إدارة لا تخدم المواطنين بل لا يستفيد منها سوى الراشي وذلك عكسا لما يجب أن تكون عليه الغاية المنشودة من إدارة.

إن واقع إدارتنا أمر مؤسف ويتطلب معالجة سريعة وفعالة لجعلها في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

الاقتصاد: إن اقتصادنا في الوقت الحالي يطبعه التعقد والرشوة الناجمان عن تعيين أناس غير أكفاء واختلاس أموال الدولة التي لو وجهت 10% منها توجيها صحيحا لأغنتنا عن الاعتماد على الخارج.

إن شركات الدولة مثل الاقتصاد تعتبر وكأنها غنيمة لمديريها يتصرفون فيها على أساس المحسوبية وعلى الرغم من نشاطاتهم الهدامة في الإدارة وشركات الدولة فإن عقوبات مختلسي أموال الدولة غالبا ما تكون لصالحهم حيث يتم تعيينهم في مراكز أخرى الشيء الذي يمكنهم من تنمية الأموال التي اختلسوها.

لذا اقترح أن تقوم اللجنة العسكرية للخلاص الوطني بتطهير الإدارة وشركات الدولة من هذه العناصر وتوجيهها توجيها يتماشى والمصلحة العليا للشعب الموريتاني وإنشاء لجنة تحقيق تسترجع الأموال التي تم التأكد من اختلاسها من خزانة الدولة.

وإني لعلى يقينتام من أن هؤلاء المجرمين لا يمكنهم أن يختلسوا هذه الأموال إلا بتواطؤ بعض رجال الأعمال والتجار، الشيء الذي يدفعني إلى المطالبة بأن يعامل هؤلاء المتواطئون معاملة مختلسي أموال الدولة.

الرق: إن الرق قد قضى عليه التاريخ واقترح أن يشرع ذلك بتنفيذ قرار اللجنة العسكرية للخلاص الوطني القاضي بتعويض ملاك العبيد، الشيء الذي سيقنع المالك ويطمئن المملوك حتى لا يبقى لديه مركب نقص جراء هذا التحول الاجتماعي الضروري.

اقتراح اجتماعي: أطلب أن يتم فتح باب عفو عام لصالح السجناء والخاضعين للإقامات الجبرية رحمة بأسرهم وأطلب كذلك الحد من نشاطات مخابراتنا لانشغال البعض من عناصرها بتحصيل الأموال وتصفية الحسابات أكثر من السهر على أمن الدولة.

هياكل تهذيب الجماهير: اعتقد أن قرار اللجنة العسكرية للخلاص الوطني بإنشاء الهياكل قرار ذو أهمية كبيرة لأن الشعب يحتاج إلى نظام يربطه بالقمة وذلك لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق الحزب الواحد أو تعدد الأحزاب أو الهياكل المشار إليها.

إني لأفضل الهياكل على الحزب الواحد وعلى تعدد الأحزاب نظرا إلى أن تعدد الأحزاب ليس مناسبا للظروف الراهنة التي تجتازها البلاد.

وأرجو إقبال الشعب على المشاركة في هذه الهياكل كما أرجو أن تكون نشاطاتها بناء تخدم حرية التعبير والديمقراطية والعدالة ومنافية لنشاطات حزب الشعب السلبية التي يعرفها الجميع، وليس هذا النقد لحزب الشعب جديدا لأني مثل كثيرين لم انخرط فيه من تأسيسه حتى حله في العاشر من يوليو 1978م.

وفي الأخير {تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.

"وفقنا الله وإياكم لما فيه مصلحة الجميع".

 

وفي ختام هذا الفصل يبدو لي أن مسلسل المتابعات الذي تعرضت له طيلة تلك الفترة وعانى منه الكثير لم يكن فيما يبدو من صنع ولد هيداله نفسه ولا من توجيهاته لكنه بطبيعة الحال كان المسؤول الأول عن تبعته بحكم موقعه كرئيس للبلاد.

كان ضحية لشبكة مصالح أوهمته أنها مخلصة وفية وهونت عليه بعض الأخطار. لقد أوهموه أنهم يمشون معه، لكنه عندما مشى مشى وحده.

كان عليه كرئيس للبلاد أن يتسلح بوسائل التحري وأن يتحقق من خلفيات كل الدعاوى التي كانت تنقل إليه ضد أبرياء حتى يتأكد من صدقها أو زيفها وذلك ما لا يمكن أن يتأتى إلا بالتحري والتدقيق وإرجاع البصر كرات إلى ما رواء ظواهر الأمور.

يقول الشاعر في شأن المظاهر الخادعة:

كم لحية طالت على ذقن حاملها وما تحتها إلا الحماقة والجهل

ويقول المثل: إن تبرئة 10 مذنبين خير من إدانة بريء واحد.

لقد أصبح بفعل أولئك الذين يصورون له أنفسهم أنهم أكثر حرصا عليه منه هو على نفسه، أصبح بطبيعة الحال مسؤولا أخلاقيا على الأقل عن الضحايا الذين فقدوا أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وحرياتهم.

كان عليه أن يراجع نفسه في كل ما آل إليه الوضع على كافة الأصعدة وأن يواجه الأمور بمنطق سياسي ويقف على أحوال الرعية حتى يرى بأم عينيه مدى ما أصابهم من الخوف والتردي.

كان عليه أن يحاسب نفسه وأعوانه على أخطائهم عملا بالحديث الشريف "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا" وكان عليه أن يبحث عن بطانة خير إذا ما أراد الخير لنفسه عملا بالأثر القائل "إذا أراد الله بالحاكم خيرا قيض له بطانة خير وإن أراد به شرا قيض له بطانة شر".